ويقول الله تعالى:" وأرسلنا الرياح لواقح ". ويجوز مثل هذا في كل ما كان أصله ثلاثياً على أي بناءٍ حصل. وكان يتبع مذهب الأخفش في ذلك، فاعلمه.
؟ وقال متعم بن نويرة يرثي مالكاً أخاه
لقد لامني عند القبور على البكا ... رقيقي لتذراف الدموع السوافك
فقال أتبكي كل قبرٍ رأيته ... لقبرٍ ثوى بين اللوى فالدوانك
فقلت له إن الشجا يبعث الشجا ... فدعني فهذا كله قبر مالك
يقول: استسرف رفيقي بكائي عند القبور، واستفظع سيلان الدموع من عيني فقال موبخاً: أمن أجل قبرٍ لك بين اللوى فالدوانك تبكي عند كل قبرٍ تراه؟ فأجبته بأن الحزن يهيج الحزن فاتركني، فكل قبرٍ أنتهي إليه يذكرني قبر مالكٍ، إذ ليس لي في قبر مالكٍ إلا مثل مالي في القبور كلها. يريد أن أسباب الحزن ومهيجاته تتشابه، فكلٌ منها يقوم مقام الآخر ولا سيما وقد توافقت في الجنسية. وقوله لتذراف الدموع السوافك أي من أجله، بعد قوله على البكا، فيه من الفائدة المتجددة التبيه، على إجابة الدموع له، وانصبابها بحسب مراده، حتى لا جمود من الحجاج في شيءٍ من الأوقات، ولا توقف من السيلان في حالٍ من الحالات، وليس كل باكٍ بهذه الصفة. فكأنه لامه على البكاء من أجل ما استنكره من إجابة الدموع السائلة له، إذ كان ذلك بالضرر عليه أعود، وإلى بطلان العين بمكانه أدعى. وقال السوافك والسفك صب الدم والدمع، فوصف الدموع بها لأنها جمع سافكةٍ، والمراد ذوات السفك. والسفك أيضا: نثر الكلام. ويقال: رجل سفاكٌ للدماء، وسفاكٌ بالكلام، أي يثير الكلام ويصب الدماء.