وقوله " إذا جعل المعطي " إذا ظرفٌ لما دل عليه قوله " خير الحجاز ". وجعل بمعنى طفق وأقبل، فلا يتعدى. والسآمة فوق الملال.
وقال نصيب في عمر بن عبيد الله بن معمرٍ
والله ما يدري امرؤٌ ذو جنابةٍ ... ولا جار بيتٍ أي يوميك أجود
أيومٌ إذا ألفيته ذا يسارةٍ ... فأعطيت عفواً منك أم يوم تجهد
أقسم بالله عز وجل أنه لا الغريب المجانب ولا القريب المجاور يعلم أي يومي هذا المسموح أكثر سخاء وأتم إفضلاً. وجعل الجود لليوم على طريقة قوله تعالى " بل مكر الليل والنهار " لما كان فيهما. وعلى حد قول الناس: نهاره صائٌم، وليله قائم.
وقوله:" أيوم إذا ألفيته " تفضيل لما أجمله. ومعنى ألفيته ألفيت فيه، فحذف الجار وجعل اليوم مفعولاً على السعة.
وقوله:" ذا يسارة "، يقال يسار ويسارة، كما يقال ذكر وذكرى، ومكان ومكانةٌ.
وقوله:" أم يوم تجهد "، يريد أم يوم تجهد فيه، فأضاف اليوم إلى الفعل وأوصل الفعل بنفسه. والمعنى: لا يعلم الغريب المنتائى عنك، ولا القريب المتدانى منك، أي وقتيك أكثر سخاء وخيراً، أيوم تلفى في موسراً فتعطى ما تعطيه عفواً، أم يوم توجد فيه معسراً فتعطى ما تعطيه مجهوداً متعباً. يريد: أنه لا يبين أحد وقتيه من الآخر، كما لا يبين إحدى حالتيه من الأخرى. ويروى " أيوماً إذا ألفيته ذا يسارة ... أم يوم تجهد " ويكون هذا مردوداً على المعنى، لأنه لما أراد بقوله أي يوميك أجود " أي جوديك أفضل، قال: " أيوماً " أي أجودك في يومٍ إذا ألفيت فيه موسراً أم جودك في يوم تكون فيه مجهوداً معسراً.
وإن خليليك السماحة والندى ... مقيمان بالمعروف ما دمت توجد
مقيمان ليسا تاركيك لخلةٍ ... من الدهر حتى يفقدا حين تفقد