للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وقالت كبشة أخت عمرو بن معد يكرب]

أرسل عبد الله إذ حان يومه ... إلى قومه لا تعقلوا لهم دمي

الشعر لكبشة أخت عبد الله. والكلام بعثٌ وتهييجٌ. وإنما تكلمت به على أنه إخبارٌ عما فعله عبد الله وأقامه من الوصاة عند الوفاة، فتقول: راسل عبد الله بن معد يكرب لما دنا أجله قومه وذويه، بأن لا يعقلوا دمي. وإن كانت آمنةً من ميلهم إلى قبول الدية، فغلظت القول لتهتاج حميتهم. ويقال عقلت فلاناً، إذا أعطيت ديته. وجعل هذا المفعول الدم لأن المراد مفهوم، كأنه قال: لا تأخذوا بدل دمي عقلاً. ويقال عقلت عن فلانٍ، إذا غرمت عنه دية جنايته أو أرشها.

ولا تأخذوا منهم إفالاً وأبكراً ... وأترك في بيتٍ بصعدة مظلم

الإفال: جمعٌ وواحده أفيل، وهي صغار الإبل، والأبكر: جمع البكر، وهو الفتى منها. يقول: لا تأخذوا من قتلتي صغار الإبل وبكارتها، فتتركوني في قبرٍ مظلم بصعدة؛ وهو مكان باليمن. وإنما جعل قبره هكذا، لأنهم كانوا يزعمون أن المقتول إذا ثأروا به أضاء قبره، فإن أهدر دمه أو قبلت ديته بقي قبره مظلماً. فإن قيل: لم ذكر الإفال والأبكر وما يؤدي في الديات لا يكون منهما؟ قلت: أراد تحقير الديات، وهذا كما يقول الرجل إذا أراد تحقير أمر خلعةٍ خاز بها إنسانٌ: إنما أعطي خرفاً وفلوساً! وإن كانت الثياب المعطاة كسوةً فاخرةً، والمال الموفر جائزةً سنيةً. وانتصب وأترك بإضمار أن وهو جواب النهي بالواو.

ودع عنك عمراً إن عمراً مسالمٌ ... وهل بطن عمرٍو وغير شبرٍ لمطعمٍ

عمرو هو أخوها، وكان يعد بألف فارس، ولم يكن ممن يسالم ولا سيما في طلب دم أخيه. وإنما رمته بهذا الكلام لتهيج منه وتبعثه على التعجل في درك الثأر والتسرع في الانتقام. وقوله: " وهل بطن عمرٍو غير شبرٍ لمطعم " تزهيدٌ في الدية، وهذا كما روي في الخبر: " وهل بطن ابن آدم إلا شبرٌ في شيرٍ " لما أريد تزهيده في الدنيا وحطامها. أي ما يصنع بالمال وجوفه يمتلئ باليسير. وعمرٌو لم يكن ممن

<<  <   >  >>