وقوله تظل بنات العم والخال حوله صوادي أراد أن غليلهن وحمى أكبادهن لا يزول بالبارد العذب من الماء، إذ لم يكن ذلك عن عطشٍ، ولكن كان لما اهتاج في صدورهن من بوارح التوجع، ولواذع الغموم والتفجع، حتى كوبت أكبادهن بمواسمها، واحترقت أحشاؤهن من لفح نوائرها.
وقوله يهلن عليه بالأكف من الثرى يريد أن النوائح لما هان التراب عليه لم يفعلن ذلك عن بغض وإهانة، ولكن إظهاراً لما أفضى إليه أحوالهن من السقوط في التراب والالتزاق به، ولما شملهن من الصغار والابتذال بموته. ويقال: هلت التراب وغيره أهليه هيلاً. وفي الحديث: أتكيلون أم تهيلون؟ قالوا: نهيل. قال: فكيلوا ولا تهيلوا وحثوته أحثوه حثواً. والصوادي: العطاش، والفعل منه صدى يصدى صدى.
[وقالت جارية ماتت أمها فأضرت بها رابتها]
ولو يأتي رسولى أم سعدٍ ... أتى أمي ومن يعنيه حاجي
ولكن قد أتى من بين ودي ... وبين فؤاده غلق الرتاج
ومن لم يؤذه ألمٌ برأسي ... وما الرئمان إلا بالنتاج
كأنها لما ناكدتها رائبتها، ولجت في إهانتها والإضرار بها، راسلت أباها تطلعه على ما تقاسي منها، وتستمد التعصب لها رجاء أن يزجرها، فلم تر من عطفه عليها ما يرضيها، ولا من إنكاره فيها ما يردعها، فلما استمرت الحال بها على طريقةٍ واحدة اقتصتها شاكية فقالت: لو وردت رسالتي على والدتي ومن يهمه أمري لاقتضتها الشفقة الاعتناء بشأني، وعطفتها الأمومة على ما أقترحه من حاجى، ولكن قد وردت علي من صرف وده عني، وحيل بينه وبين الحنو علي، فانسدت طرق الأمل فيه، وأغلقت أبواب الخير من جهته، فلا اهتزاز لماربة، ولا انبعاث لدفع مضرة، ولا توجع لشكوى تظهر، ولا ترحم لبلوى تذكر. وما ذلك إلا لأن علائق الوداد تستحكم