المضروب، صلح أن يقول صارماً لو رعيته. ويقال رعيت النجوم وراعيتها، إذا راقبتها. وقوله وخافض أراد به منخفضٌ لكنه أخرجه مخرج النسبة كأنه قال وذو خفضٍ. يقول: لو انتظرت الموت، وصبرت على المجاملة مدة العيش، لكان يكفيك عند حصوله ما تعجلته من الصرم، ولكن ما أظهرته من البغض تمكن من نفسك وقلبك، واستولى على فعلك وقولك فلم تملك معه صبراً، ولم تطق بما يجمعنا رفقاً، فهو باطنٌ ظاهرٌ، مسرٌ معلنٌ. وإنما قال هذا لأن الإنسان قد يظهر خلاف ما ينطوي عليه أو دونه، ما دام يملك زمام تجمله وتستره، وصار الغلبة لعقله وإرادته. فإذا كان ما ينبع منه عن معينٍ في القلب كنينٍ، وعريقٍ مكين، قد امتلك النفس وغلب المسكة والصبر، فذلك النهاية لا يقدر على ستره، ولا يهتدي إلى دفعه. وفي القرآن ما فيه هذا المعنى قوله تعالى:" قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ".
[وقال قبيصة بن النصراني]
ألم تر أن الورد عرد صدره ... وحاد عن الدعوى وضوء البوارق
التعريد: ترك القصد وسرعة الانهزام. والمراد بالدعوى قول الكماة من يبارز! وخذها وأنا فلانٌ! وأنا الذي من شأنه كذا! وأشباهه. والبوارق، جمع بارقةٍ: السيوف وسائر الأسلحة.
وقائل هذه الأبيات يعتذر من إحجامٍ اتفق، وتأخرٍ عن الزحف ظهر للناس من فعله، فأخذ يورك بالذنب على فرسه، وإن نفرته كانت السبب في نكوصه، فقال على طريق التلهف والتوجع: أما تعلم أن فرسي الورد انحرف عن القصد صدره، وتولى إلى غير الوجهة التي أريدها وجهه، لنفوره عن تداعي الأبطال، ونكوله عن لمعان السيوف والرماح.
وأخرجني من فتيةٍ لم أرد لهم ... فراقاً وهم في مأزقٍ متضايق
قوله وأخرجني معطوفٌ على ما اعتل به من نفور الفرس، ومعدودٌ فيما أمله من جنايته عليه. والواو من قوله وهم في مأزق واو الحال، والأزق: الضيق في