للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتحمل صدقاً فأداه. وقوله " دون مائها في موضع الحال لأن دون للقاصر عن الشيء. والتقدير: تجذ القوى قاصرةً عن الماء.

وقال سنانٌ بن الفحل

وقالوا قد جننت فقلت كلا ... وربي ما جننت ولا انتشيت

كان الواجب أن يقول قالوا جننت أو سكرت، فاكتفى بذكر أحدهما لأن النفي الذي يتعقب في الجواب ينظمهما. ومثل هذا قول الآخر:

فما أدري إذ يممت وجهاً ... أريد الخير أيهما يلبني

لأن المراد أريد الخير وأتجنب الشر أيهما يليني، فاكتفى بذكر أحدهما لأن ما بعده يبينهما: ولكلا موضعان: أحدهما أن يكون للردع والزجر، وحينئذ يصح الاكتفاء به والوقف عليه. والثاني أن يكون للتنبيه كألا، وحينئذ يحتاج ما بعده إلى ما يتم به. وسيبويه قصر تفسيره على أنه للردع والزجر. والشاعر أراد قال الناس في لما أظهرت إنكاري، وتشددت في إبائي، وتحفظت عندما عرض وجشم، واستنكفت مما سيم وكنف: إنه قد جن أو سكر. فزحرتهم وردعتهم، وحفت بالله نافياً لما نسبت إليه ووسمت به من الجنون والسكر جميعاً. ثم أخذ يبين كيف استنكر ما دفع إليه، واشمأز مما عرض عليه حتى قيل فيه ما قيل. والانتشاء والنشوة: السكر.

ولكني ظلمت فكدت أبكي ... من الظلم المبين أو بكيت

لكن استدراكٌ بعد نفيٍ. وهذا الكلام بيان ما أنكر منه حتى قيل إنه جن. وذكر البكاء ليرى أنفته وامتعاضه، وإنكاره لما أريد ظلمه فيه واغتياظه. فأما العرب فإنها تنسب أنفسها إلى القساوة، وتعير من يبكي لذلك. قال مهلهل:

يبكي علينا ولا نبكي على أحدٍ ... لنحن أغلظ أكباداً من الإبل

<<  <   >  >>