للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول: لكن عرض علي ضيمٌ لم آلفه، واستنزلت عن حقٍ لي طال ملازمتي له، فشارفت البكاء أو بكيت. كل ذلك لاستنكافي مما ندبوني إليه وتعجبي مما راودوني عليه.

فإن الماء ماء أبي وجدي ... وبئري ذو حفرت وذو طويت

صرح بما أريد غصبه عليه فقال: هو ماءٌ موروثٌ عن الرسلاف وحمًى معروفٌ بي وبهم، سلمة الناس لنا على مر الأيام، وبئرٌ توليت استحداثها وحفرها وطيها. وقوله " ذو حفرت " ذو لغةٌ طائيةٌ في معنى الذي. يقولون: هذا ذو قال ذلك، ورأيت ذو قال ذلك، ومررت بذو قال ذلك، فيحتاج من الصلة إلى مثل ما يحتاج إليه الذي، لكنها تقع في لغتهم للمذكر والمؤنث ولهذا صلح أن يقول " وبئري ذو حفرت "، والبئر مؤنثةٌ.

وقبلك رب خصمٍ قد تمالوا ... علي فما هلعت ولا دعوت

نبه على حسن ثباته في وجه الخصوم، وتمرنه بمجاذبتهم قديماً وحديثاً، وتحككه بهم على احتفالٍ منهم في مناوأته سالفاً وآنفاً، فيقول: وقد بليت قبلك بقوم لدٍ تألبوا علي وتعاونوا، فلم أجزع لما منيت بهم جزعاً فاحشاً، ولا استنصرت عليهم غيري عند دفاعهم استنصاراً مكروهاً. والهلع: أفحش الجزع. وتمالوا، هو تفاعلوا من قولهم هو مليءٌ بكذا. فإن قيل: كيف قال هلعت، وقد قال فيما قبله: فكدت أبكي من الظلم المبين أو بكيت وهل الهلع إلا البكاء والجزع؟ قلت: إن الهلع هو الجزع الفاحش الذي يظهر فيه الخضوع والانقياد، فهذا هو الذي انتضح منه، وزعم أنه لا يظهر عليه. والبكاء الذي ذكر أنه شارفه أو كاد يشارفه قد بينا أنه كان منه على طريق الاستنكاف والامتعاض؛ فإذا كان كذلك فإنه لم يكن عن تخشعٍ وتذللٍ، ولا انقيادٍ واستسلامٍ، وسلم الكلام من التناقض والفساد.

ولكني نصبت لهم جبيني ... وألة فارسٍ حتى قريت

يقول: ولكني صبرت لهم، وانتصبت في وجوههم، وهيأت عدتي وسلاحي لدفعهم، دارئاً في نحورهم، محلئاً لهم عن ورودهم، فعل الفارس الذاب المانع يوم الحفاظ، حتى خلصت من غصبهم حقي، وقريت الماء من دونهم في حوضي. والآلة: الحربة، وجمعها إلالٌ، وأصله البريق واللمعان. والقرى: الجمع.

<<  <   >  >>