للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جمع بين السماحة والندى، لأن السماحة هو سهولة الجانب في الإعطاء، وطيب النفس به.

وقوله " مقيمان " أي ثابتان، من قوله تعالى " إلا مادمت عليه قائماً ".

ومنه أقام بالمكان، أي جعل لنفسه ثباتاً. ومنه قوام الأمر، أي دوامه. وما دمت ظرفٌ. فيقول: السماحة والندى يقيمان بسبب معروفك وله، ويدومان ما دمت ثابتاً وقائماً. وإنما قال بالمعروف كما يقال: فلان مقيمٌ بمكان كذا، أي يجعل قيامه به وثباته. فكذلك جعل قيامه بالمعروف على هذا الوجه.

وقوله " مقيمان ليسا تاركيك لخلةٍ "، يريد: هما مقيمان بسبب معروفك، وثابتان لك ولمكانك، لا يفارقك لخلةٍ من خلات الدهر تعرض، ولا لفقر يحصل، إلى أن يفقدا وقت فقدك.

[وقال أميمة بن أبى الصلت]

أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء

وعلمك بالحقوق وأنت فرعٌ ... لك الحسب المهذب والسناء

خليلٌ لا يغيره صباحٌ ... عن الخلق اللجميل ولا مساء

قوله " أأذكر حاجتي أم قد كفاني ". يقول: أي الأمرين أعتمد منك؟ لأن أم هذه هي المعادلة لألف الاستفهام والمفسرة بأي. فيقول: ألقى حاجتي قبلك إليك، وأنهى قصتي المرفوعة إليك، ام أعتمد اكتفائي بكرم فطنتك، وذكاء معرفتك، وحسن التفاتك إلى المعلقتين بحبلك، والراجين لخيرك وفضلك، لأن ملاك خلقك الحياء، فإذا توصل تابعلكبعرض وجهه عليك، صار ذلك مهيجاً لحيائك، وداعياً إلى الفكر فيما أحوجه إليك، وسائقاً إلى قضاء مأربته لديك؛ ولأن محافظتك على أولى المواتوالحرم، تبعثك على صيانتهم، وتحميهم من ابتذالٍ يلحقهم، إذ كنت الفرع لأصلٍ يجمع إلى الحسب المنقى، والمجد المزكى، علو همة وارتفاع منزلة.

وقوله " خليل " ارتفع بأنه خبر مبتدأ مضمر، كأنه " قال ": أنت خليلٌ لا تغيره الأوقات عما ألف من بره، وعهد من كرمه. وأشار في قوله: الصباح والمساء، وهما

<<  <   >  >>