للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله (أن يقال له) أراد لايغبط لأن يقال له، ومن أجل أن يقال له. وقوله (أدنى تجاري) إظهار لغلوه في سباء الخمر وسرفه، ثم تبجح بإضافتهم إلى نفسه.

[وقال إياس بن القائف]

يقيم الرجال الأغنياء بأرضهم ... وترمي النوى بالمفترين المراميا

يفضل الغنى على الفقر ويبعثه على طلبه وارتياده. فقال: ترى الموسرين يتودعون، وتطول إقامتهم في دورهم وأرضهم يمتعون، والفقراء تراهم ترتمي بهم البلدان النائية، وتقذف النوى بهم المقاذف البعيدة، والمهالك المستصعبة، فلا يهدؤون ولا يقرون. والنوى: وجهة القوم التي ينوونها. والمرامي: جمع مرمى، وهو المكان لاغير هنا، لأنه قابل الأغنياء بالمقترين، وأرض الأغنياء بمرامى الفقراء، لأنهم لاتذوبهم دار أبداً، فمجال تسيارهم لكسبهم وتصرفهم كدور أولئك لهم. ومفعل يكون اسماً للحدث، وزمانه، ومكانه.

فأكرم أخاك الدهر ما دمتما معاً ... كفى بالممات فرقة وتنائياً

إذا زرت أرضاً بعد طول اجتنابها ... فقدت صديقي والبلاد كما هيا

يقول: أحسن صحبة أخيك وصاحبك. وتناوله بالإكرام طول الدهر ومدة العمر، فإن المنايا كفتك مفرقةً ومبعدةً. وقوله (الدهر) انتصب على الظرف، وما دمتما انتصب على أنه بدل من الدهر. وانتصب (معاً) على أنه خبر ما دمتما. ومعنى ما دمتما معاً: مدة بقائكما ودوامكما مجتمعين. وقوله (كفى بالمنايا) موضع بالمنايا رفع على أنه فاعل كفى. وانتصب (فرقةً) على التمييز، أو يكون في موضع الحال، كأنه قال: كفى بفرقة المنايا فرقةً. والتقدير: كفى فرقةً بالمنايا من فرقة، أو كفى المنايا مفرقة ومتنائية.

وقوله (إذا زرت أرضاً بعد طول اجتنابها) هذا الكلام توجع وتشك من نوائب الدهر. يقول: أرى الإخوان تخترمهم المنايا فهم يتفاقدون، وبلادهم وأروضهم على ما كانت عليه، فمتى زرت مكاناً بعد طول العهد به وجدت أصدقائي مفقودين،

<<  <   >  >>