أحاذر أن يرين البؤس بعدي ... وأن يشربن رنقاً بعد صاف
وأن يعرين إن كسي الجواري ... فتنبو العين عن كرمٍ عجاف
[وقال خطاب بن المعلى]
أنزلني الدهر على حكمه ... من شامخٍ عالٍ إلى خفض
يقول للدهر حكمٌ معروفٌ، وطريقٌ مألوفٌ، في رفع الوضيع، وحط الرفيع، فأجرى حكمه على، وأنزلني عن رتبةٍ عاليةٍ إلى منزلةٍ منخفضةٍ، والخفض: ضد الرفع، وهو مصدرٌ وضع موضع المفعول. يريد إلى مكان منخفض.
وغالني الدهر بوفر الغنى ... فليس لي مالٌ سوى عرضي
يروى: عالني ومعناه غلبني، ويروى: غالني ومعناه أهلكني بارتجاع عواريه من المال، واستلاب ما كنت وفرت به من العتاد، فمالي مالٌ سوى نفسي، وليس النفس من المال في شيءٍ. وموضع سوى نصبٌ على أنه استثناءٌ خارجٌ، وهذا الاستثناء يتأكد به انتفاء الغنى. ومثله قوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلولٌ من قراع الكتائب
ويجوز أن يكون المعنى: ليس لي غنىً سوى غنى نفسي، فحذف المضاف، والمعنى: إن نفسي غنيةٌ فلا تطمع في المكاسب الوضيعة، ولا تتدنس بالمآكل الخبيثة. وقوله بوفر الغنى أي بسلب وفر الغنى، فحذف المضاف. ويتعلق الباء منه بقوله غالني. والوفر: كثرة المال، وأضافه إلى الغنى، لأن المراد المال الذي يحصل به الغنى. وهم يضيفون الشيء إلى الشيء لأدنى مناسبة بينهما، سواءٌ كان له أو عليه، أو معه أو فيه، أو من أجله، أو مما يليه. ويجوز أن يكون موضع بوفر الغنى نصباً على الحال للدهر، كما تقول: فاتني فلانٌ بكذا، والمعنى فاتني مستصحباً له. ومثله: جاء في أطمارٍ، أي لابساً لها. ويجوز أن يكون حمل الكلام على المعنى، فعدى غالني تعدية فجعني، لأنه في معناه فكأنه قال: فجعني بوفر الغنى وأصابني.