أغرك يوماً أن يقال ابن دارمٍ ... وتقصى كما يقصى من البرك أجرب
لفظه لفظ الاستفهام، والمعنى معنى التوبيخ والتقريع. ويقال غره، إذا غشه وختره بما يجب السكون إليه والإيمان به. ويقال: ما غرك مني، أي لم وثقت بي؟ وما غرك بي، أي لم اجترأت علي؟ وما غرك عني، أي لم غفلت عني؟ فيقول: اغتررت بقول الناس فيك هو ابن دارمٍ وإن أخر منزلتك، وأقصيت في نفسك كما يقصى البعير الجرب من البرك مخافة الإعداء، وكان حكم مثلك ألا يقنعه فخامة الذكر مع سقوط القدر، ولا يسكن من الناس إلى تسميتهم إياه بأحب أسمائه إليه وهذا فعلهم به. قوله " ابن دارمٍ " يجوز أن يكون مبتدأ وخبره محذوفٌ، وأن يكون خبراً والمبتدأ محذوف، والمضمر في الوجهين أنت أو هو. ويقال بعيرٌ جربٌ وأجرب، والبرك: جمع باركٍ، كتاجرٍ وتجرٍ.
قضى فيكم نوسٌ بما الحق غيره ... كذلك يخزوك العزيز المدرب
نوس هذا المذكور كان له جارٌ، واهتضمه ابن دارمٍ واستاق ماله، فلما جاء الصريخ نوساً ذهب في أثر ابن دارمٍ وارتجع مال جاره منه، وسلبه ما صحبه من مال نفسه، وأبان يده منه بضربةٍ تناوله بها، فلهذا قال: حكم فيكم نوسٌ عند الانتقام لجاره منكم بحكومةٍ جائرة خارجةٍ عن الاقتصاد إلى الاشتطاط. ثم قال " كذلك يخزوك " أي يسوسك الرجل الجلد العزيز المجرب. وهذا الكلام، أعني كذلك يخزوك، يجري مجرى الالتفات، كأنه التفت إلى غيرهم فخاطبهم مبكتاً لهم ومقرعاُ بذلك. ولا يمتنع أن يكون صرف الكلام عن خطاب الجماعة وأقبل يخاطب الواحد. ويقال خزاه يخزوه، إذا كفه عن المكروه وحبسه على مر المراد. قال لبيد: