فجارك عند بيتك لحم ظبيٍ ... وجاري عند بيتي لا يرام
يصفهم بسوء الوفاء، وقلة المحافظة على عقد الجوار، فيقول: جارك كالصيد لمن يطلبه، وبعرض الأكل والاستباحة لمن يريده، وهذا وهو في فنائك، وغير مفارقٍ لدارك، لضعف حشمتك وسقوط همتك، واستسخاف الناس لدرك وزنك؛ وجاري لا يطلب ولا يطمع فيه لتحصن مكانه في فنائي، وتعززه بي، ما دام متمسكاً بحبلي، أو معتصماً بحلفي. وإنما قال ذلك لأن النزاع بينهما كان بسبب جارٍ. وإضافة اللحم إلى الظبي في نهاية الموافقة للمعنى الذي يقصده، والغرض الذي كان يرميه. وقد جاء اللحم غير مضافٍ إلى اسم الصيد في الكناية عن الذل والاهتضام. على هذا قولهم: هو لحمٌ موضعٌ، وهو لحمٌ على وضمٍ. وقد استعمل الشحم في مثل ذلك، على هذا قوله:
لمن كنت فيه شحمه وأطايبه
وقول الآخر:
فلا تحسبنني يا ابن أزنم شحمةً ... تزردها طاهي شواءٍ ملهوج
وقد قال آخر سالكاً هذه الطريقة في الكناية:
ولست خلاةً لمن أوعدن
وقالوا في الذليل: هو قنعٌ، وهو فقعٌ بقرقرٍ، وهو بيضة البلد.
[وقال عبد الله بن عنمة]
أبلغ بني الحارث المرجو نصرهم ... والدهر يحدث بعد المرة الحالا
قوله " والدهر يحدث " اعتراضٌ حصل بين أبلغ بني الحرث وبين مفعوله الثاني: وهو قوله، " إنا تركنا فلم نأخذ به بدلاً ".