للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله فلا يبعد الله الديار وأهلها فيه دلالة على أنه جعل الدار وحالها كالمفقودين وأحوالهم، إذ كانت لفظة لا نبعد ولا يبعد الله يستعمل في الفائت. وقوله وإن أصبحت منهم برغمي تخلت تحسر على أهل الدار والدار جميعاً.

ألا إن قتلى الطف من آل هاشم ... أذلت رقاب المسلمين فذلت

وكانوا غياثاً ثم أضحوا رزية ... ألا عظمت تلك الرزايا وجلت

قتلى الطف: الحسين ومن معه من ذويه عليه السلام. وقوله أذلت رقاب المسلمين فذلت كأنها لما أذلت، بأن بغى لعترة رسول الله صلى الله عليه وسلم وولده عليه السلام الغوائل، واستحل منهم المحارم، ونيل منهم ما كان محظوراً من غيرهم من المسلمين، فكيف منهم، وقهروا على حقوقهم واستبيحت دماؤهم وحرمهم التزمت رقابهم ذلك الذل فأقرت به وخضعت، ولبسته لبسة من كان ذلك نصيبه من مواليه، فصاروا كالراضين به وإن لم يكن ذلك رضاً. وقوله وكانوا غياثاً يريد أنهم كانوا للمسلمين غوثاً عندما ينزل بهم فلا يرجون لملمهم ديناً ودنيا غيرهم، فلما نيل منهم ما نيل صاروا رزيئة لهم كلهم، لأنه بحسب رجائهم كان فيهم، وعلى مقدار مكانتهم من قلوبهم صار نوازل الغم تنكى فيهم، وفواقر الرزء تكسر ظهورهم.

وقوله ألا عظمت تلك الرزايا وجلت التفات، كأنه أقبل مكبراً ومستفظعاً على من حوله فقال: ما أعظم هذه الرزايا وما أجلها، لقد بلغت مبلغاً شنيعاً، وافترت عن البلايا افتراراً قبيحاً، فيا لها ما أنكاها وأقرحها.

[وقالت قتيلة بنت النضر بن الحارث]

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل أباها صبراً:

يا راكباً إن الأثيل مظنة ... من صبح خامسة وأنت موفق

الأثيل: موضع كان فيه قبر النضر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم تأذى به فقتله صبراً، وكان من جملة أذاه أنه كان يقرأ الكتب في أخبار العجم على العرب، ويقول: محمد

<<  <   >  >>