جمعنا لهم من حي عوف بن مالكٍ ... كتائب يردي المقرفين نكالها
الكتيبة من الجيش: ما جمع فلم ينتشر. وقوله: يردي مع ما بعده في موضع الصفة للكتائب. يقول: جمعنا لهؤلاء القوم جيوشاً من خلص العرب تهلك عقوبتها الذين في نسبهم هجنةٌ أو إقرافٌ إذا بركوا عليهم. وهذا يجوز أن يكون تعريضاً بمنابذيه ووعيداً لهم. والإقراف يكون من قبل الفحل، والهجنة من قبل الأم. وذكر المقرفين ولم يذكر الهجناء لأنهم وإن كانوا يأخذون مأخذهم في أنه لا يخلص نسبهم، ولا يصفو سببهم، فنافيهم أشد نقداً، ومزيفهم أنكر دفعاً. وكان عنترة العبسي هجيناً فقال:
إن امرؤٌ من خير عبسٍ منصباً ... شطري وأحمي سائري بالمنصل
نافياً للإقراف، فجعل أحد شطريه من خير عبس، وجعل الباقي يحميه من الذم باستعمال السيف يوم الروع، وحسن البلاء في الحرب، حتى يلحقه بالخلص، ولا تقعد به هجنته عن الدخول في زمرة الصرحاء.
لهم عجزٌ بالحزن فالرمل فاللوى ... وقد جاوزت حي جديس رعالها
الرعيل: قطعةٌ من الخيل متقدمةٌ، وتوسعوا فقالوا: أراعيل الرياح. ويقال: استرعل فلانٌ، أي خرج في الرعيل الأول. يقول: سوابق هذه الكتائب وأوائلها قد جاوزت بلاد طسمٍ وجديس، ولواحقها قد شحنت بها هذه المواضع. وبين بلاد حي جديس والبقاع التي ذكرها مسافةٌ بعيدة. واللوى، حيث يرق الرمل فيخرج السائر فيه إلى الحزن. وطسمٌ وجديسٌ: أمةٌ من العرب بادوا وانقرضوا. وقيل أراد بالحيين جدساً وجديساً، وذكرهم والقصد إلى ديارهم وبلادهم، ورتب المواضع الذي عددها بالفاء، وجعل أعجاز الكتائب فيها تكثيراً لها.