وقوله: فإني إذا هبت الريح شمالاً، انتصابه على الحال. وساغ ذلك فيه لكونه صفةً لااسماً. وعلى هذا الجنوب والقبول والدبور، يجوز في جميعها أن تقع أحوالاً لكونها صفات. وكأن الجنوب كانت تهب من نحو أرضه مستقبلةً لديار أحبته، فلذلك جعلها رسوله. وكانت الشمال تهب من ناحية أرض حبيبه مستقبلةً بلاده، فلذلك زعم أنه يسائلها عما استعجم عليه من أخبارهم.
وقال ابن الأعرابي: مهب الجنوب يمان من قبل اليمن، وقلما تسري بالليل، وهي مباركة. والشمال شآمية، فهي أكثر الرياح هبوبا، وهي صاحبة الشتاء.
و" صداح النميرة " الصدح: الصوت، يقال: صدح الديك والغراب، إذا صوتا. ويعني جلبة الصوت ونداء داعيهم. والمنادى بالرحيل فيهم كأنه ينتظرهم لحضور وقت انتجاعهم ونهضاتهم، وكان يتعرف ذلك ليستبشربه.
[وقال مرداس بن هماس الطائي]
هويتك حتى كاد يقتلني الهوى ... وزرتك حتى لامني كل صاحب
وحتى رأى مني أدانيك رقةً ... عليك ولولاأنت ما لان جانبي
ألاحبذا لوما الحياء وربما ... منحت الهوى ما ليس بالمتقارب
بأهلي ظباء من ربيعة عامر ... عذاب الثنايا مشرقات الحقائب
يقول: بلغت الغاية القصوى في كل ما كان فيك ولك، فحملت نفسي من أعباء الهوى وطلب التناهي فيه ما كاد يأتي علي، أعد ذلك واجباً لك أؤديه، وفرضاً من حقوقك أقيمه وآتيه، ثم أدمنت الزيارة خادماً، وترددت في التعرف والاستعطاف متقرباً، حتى توجه إلى اللوم من أصحابي، واستسرفني في البرجيرتي وأودائي، وإلى أن ظهر لأقاربك شفقتي عليك ورقتي، ووضح ما اشتهر به أمري عندهم وعرف. ولولا أنت لبقيت على ما وجدت عليه قديماً من صبانة النفس وإكرامها وتبعيدهاعن المراكب الشائنة المؤدية إلى ابتذالها، فلم يلن جانبي، ولم يزل جماحي وصعوبتي.