فقلت له إن الشجا يبعث الشجا ... فدعني فهذا كله قبر مالك
وإنما يريد أن قبور أحبته بالدير وقبور أحبة من يأتسي بهم من المفجوعين ببقيع الغرقد، لأن أولئك ماتوا حتف أنفهم وفي أماكنهم، فدفنوا في مقابرهم، وأصحاب الشاعر قتلوا وتغربوا فدفنوا ثم. والكلام توجعٌ وتلهف. وقوله دوين المصلى تحديدٌ للمقبرة، وتقريبٌ لها من المصلى، لذلك قال دوين فصغر دون. وعلى ذلك تصغيرهم لقبيلٍ وبعيدٍ وفويق. وقوله إن أتيتها قرينك أشجانا مثل قول الآخر:
أتيناه زواراً فأمجدنا قرى ... من البث والداء الدخيل المخامر
وأضاف إليه معنى البيت الآخر بقوله " هن سكون " وهو " وأسمعنا بالصمت رجع جوابه ". وقوله كذا الهجر يجوز أن يشير بذا إلى ما قدمه، ويجوز أن يكون وضع حرف الإشارة والمشار إليه يجيء من بعد على طريق التفسير له، والترجمة منه. والمراد ما بيننا من استعجام الأخبار، وذهاب لالتقاء والاجتماع، على انصال التزاور إذا فعل، أشبه شيءٍ بالهجران؛ وذلك ما لم يدخل بيننا في شيءٍ من الأوقات والأحوال. وهذا تحسرٌ آخر جديد، وتلهف شديد.
[وقال عبد الله بن ثعلبة الحنفي]
لكل أناسٍ مقبرٌ بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد
وما إن يزال رسم دار قد اخلقت ... وبيتٌ لميت بالفناء جديد
هم جيرة الأحياء أما جوارهم ... فدانٍ وأما الملتقى فبعيد
يقول على وجه التحزن والتفجع والتوجع: تساوت أحوال الناس في مقاساة البلاء، ومعاناة الشقاء، لا تفاضل فيما بينهم ولا تمايز، يرون مصارعهم بأفنيتهم،