وقوله كأني والعداء لم نسر ليلةً يريد أن الشيء إذا انقطع فكأنه لم يكن. والمعنى أنى وقد فقدته فكأني وإياه لم نصطحب في قطع مسافة، ولم نشترك في سوق أنضاءٍ من الإبل لتحمل كلفةٍ، أو صبرٍ على مشقةٍ. ونبه بهذا الكلام على تبذله - كان - فيما يكسبه الأحدوثة الجميلة، وإن تكلف فيه الأثقال العظيمة. والذميل: إسراع السير. والأنضاء: جمع النضو. وقال الدريدي: يقال: ذملت الناقة ذميلاً وذملاناً، وهو ضربٌ من السير أعلى من العنق، وناقةٌ ذمولٌ. والإزجاء: السوق.
وقوله ولم نلق رحلينا لو قال رحالنا لكونهما اثنين من اثنين، فجرى مثل قوله تعالى:" فقد صغت قلوبكما " كان أدخل في الاستعمال، لكنه أتى به على الأصل. والبيداء: المفازة. والبلقع: القفر الخالي. والمعنى على ما تقدم في البيت الذي قبله، من الصبر على الشدائد.
وقوله ولم نرم جوز الليل حيث يميل أراد حيث يميل الليل. وحيث هذا ظرف زمانٍ. يريد فكأنا لم نرم بأنفسنا جوز الليل وقت ميله. يشير إلى جنوحه وإشرافه على تهوره، لأن ميله على ذلك يكون. ومما جاء فيه وهو للزمان دون المكان عند أبي الحسن الأخفش قوله:
للفتى عقلٌ يعيش به ... حيث تهدى ساقه قدمه
لأن المعنى: للفتى عقلٌ يعيش به مدة سعيه وحياته؛ ونهوضه بساقه في أمره. ويجوز أن يكون حيث ظرفاً لمكانٍ، ويكون المعنى: إنا نعتسف الطريق فحيث مال الليل ملنا معه. ويجوز أن يكون فاعل يميل ما دل عليه " ولم نرم " من المصدر، ويكون المعنى حيث يميل الرمي ويذهب فيه.
[وقال أبو الحجناء]
أضحت جياد ابن قعقاعٍ مقسمةً ... في الأقربين بلا منٍ ولا ثمن
ورثتهم فتسلوا عنك إذ ورثوا ... وما ورثتك غير الهم والحزن