وقوله " خليلي ما بالعيش عتب " رواه بعضهم: " ما بالعيش عيب "، وذكر العتب أحسن هاهنا. والمراد أنه لامعتبة على العيش، لأن صفاءه بأن تتصل له أيام كأيام الحمى، فلو وجدنا من يعيد أمثالها فساعد فيها قرب المزار، وإمكان الوصال، لطاب وصفا كما كان من قبل فلا ذنب للعيش، إنما الذنب لما يكدره ويشحنه بالمكاره.
وقال آخر:
ولي نظرة بعد الصدود من الجوى ... كنظرة ثكلي قد أصيب وليدها
هل الله عاف عن ذنوب تسلفت ... أو الله إن لم يعف عنها معيدها
يقول: قذيت عيني بما حصل من صدود الحبيب، فلي نظرة بعده لجوي القلب والجوف، كنظرة أم أصيبت بوليدها فثكلته. ثم قال متمنياً: هل يعفو الله عما سلف لنا من ذنوب، أو يعيد لنا تسهيل أمثالها والتمكين من اقتراف مشابهها إن ضاق عفوه عنها. وهذا كلام من حرج صدره بمستقبل أمره، وامتلأ قلبه من التأسف في إثر مستدبره.
[وقال سوار بن المضرب]
يأيها القلب هل تنهاك موعظة ... أو يحدثن لك طول الدهر نسيانا
إني سأستر ما ذو العقل ساتره ... من حاجة وأميت السر كتمانا
عتب على قلبه في عصيانة له، واطراحه مواعظه، وولوعه المستمر على تطاول الدهر، وتقادم الأمر، وقال: هل لين الوعظ منك أو أحداث مواصلة الأيام واستمرارها نسياناً لك، فتكف عما يكره منك، أو تقبل بعض ما تدعى إليه من رشدك.
وقوله " أو يحدثن " زاد النون الخفيفة في المعطوف من غير أن حصل في المعطوف عليه، وهو " ينهاك " مثله؛ وساغ ذلك لأنهم ألفوا زيادة إحدى النونين فيما ليس بواجب من الأفعال، فكأنه قدر أن الأول حصل فيه النون فزاد في الثانية، لتوهم مثله في الأولى، واستمرار العادة بزيادته. وهذا كما عطف في بيت امرىء