للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال عامر بن شقيقٍ

فإنك لو رأيت ولن تريه ... أكف القوم تخرق بالقنينا

يخاطب امرأةً مفظعاً للشأن الذي منوا به، ومهولاً للأمر الذي دفعوا إليه، فيقول: لو رأيت ولا أراك الله مثله مشهد القوم وأكفهم تخرق بالرماح لرأيت أمراً هائلاً. وجواب لو محذوفٌ، كما يقال: لو رأيت زيداً وفي يده السيف. وقد مر القول في أن تبقيه الإبهام في مثل هذا المكان بترك الجواب أبلغ في الإفهام. وقوله " ولن تريه " دعاءٌ، وأكثر ما يقع الدعاء يقع بلاء، وبلن يجيء قليلاً، تقول: لن يبارك الله في كذا وتريد الدعاء، كما تقول لا بارك الله. وفسر قطربٌ قول الله تعالى: " رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين " على أنه دعاءٌ. ويجوز أن يكون قوله " ولن تريه " إخباراً بأنها وقد فاتها رؤية ذلك فيما مضى لا ترى مثله في المستأنف فظاعةً وشناعةً، وأن الخطب بلغ حداً خرج به عن المعتاد المستجاز. وقوله " تخرق بالقنينا " أي تثقب، ومنه خرقت الأرض واخترقتها، وريحٌ خريقٌ. ويروى: " تخرق " بفتح التاء وضم الراء، وله وجهان: أحدهما أن يكون من الخرق: ضد الرفق، كأن الأكف كانت تخرق في الطعن ولا ترفق، لشدة الأمر؛ وهذا حسنٌ. والثاني: أن يكون من الخرق، كأنها تشقق بالطعن ملتئم الأحوال ومتواصلها وتمزقها، كما قال: " ومزقناهم كل ممزق ". وهذا الوجه أغرب ويكون المفعول محذوفاً، لأن الكلام يدل عليه. ومن روى " تخرق " فالمعنى تنظم. وإن جعلت الفعل للفاعل فرويت " تخرق " جاز أيضاً على أن يكون المفعول محذوفاً، والمراد كأنها تنظم مطعونين في شدةٍ وحملةٍ. والقنين: جمعٌ سالمٌ، وهو نادرٌ، وأكثر ما يجيء مثله في المنقوص كظبةٍ وظبين، وثبةٍ وثبين، كأنه يجعل هذا البناء في جمعه جبراً له مما نقص منه. ويجيء أيضاً كثيراً في أسماء الدواهي، كالذربين، والأقورين، والفتكرين؛ كأنه بلغ بها رتبة الناطقين تهويلاً. وقد حكى كسر القاف من القنين وحينئذ يكون كعصاً وعصىٍ، ويكون وزنه فعولاً والنون بدلق من لام الفعل. ويحمل على هذا الوجه سنين في جمع سنةٍ.

<<  <   >  >>