للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله " المخاض " هي النوق الجوامل، وهو اسمٌ صيغ للجماعة منها، ولا واحد لها من لفظها، وإنما خصها لأن التنافس فيها أكثر، وأربابها بها أشح. والشاعر ترك قصةً إلى قصةٍ، فكأنه قال: لا يهمه طلب الوحش، ولكن يهمه قصد أرباب الإبل في أموالهم، فهو يؤذيهم ويفزعهم، ويضنيهم إذا تتبعوا أثره. وقد أغار عليهم واستاق إبلهم منفرداً عن أصحابه، أو محتفلاً بهم معاناً بتشييعهم. وهذا بيان ما قدمه في قوله " أطال نزال القوم حتى تسعسعا ". وانتصب واحداً على الحال، والعامل فيه اقتفروه، أي منفرداً. ويقال اقتفرت للوحش إذا تتبعت أثره. ومعنى يشفهم، يهزلهم ويكد عيشهم. ومشيعاً: معه شيعةٌ. يريد أنه لا يبالي كيف سقط عليهم وأنه يشفهم على كل حالٍ. وقوله " وإني وإن عمرت " بيان قوله " ومن يغر بالأعداء "، لأنه فسر كل بيت من الأبيات الثلاثة ببيتٍ. فيقول: أنا وإن أطبل عمري، ومد من نفسي بما يلحقني من واقية الله تعالى على ما أجترحه وأختاضه، أتيقن أني سألقى أجلي، وأوافي مصرعي إذا دنا الحين المعلوم، بالحين المحتوم، وتراءى سنان الموت لي بارزاً بارقاً، أي السنان الذي يكون به الموت، فلا أختار النفس إلا ما لا يكسبني عاراً. وفي الكلام مع هذا الذي ذكرناه التسلي التام، والرضا بالمقدور. وجواب الشرط في قوله أعلم أنني، وهو على إرادة الفاء، ويجوز على نية التقديم والتأخير.

وقال بعض بني فقعسٍ

دعوت بني قيسٍ إلي فشمرت ... خناذيذ من سعدٍ طوال السواعد

يقول: استغثت بهؤلاء القوم وندبتهم إلى نصرتي والدفاع دوني، فخفت لي رجالٌ كأنهم فحولٌ ممتدة القامات، مبسوطة الأيدي بالضرب والطعن. ويجوز أن يريد بالطول الاقتدار والغلبة، كما يقال في السلاطة: هو طويل اللسان والخناذيذ: الكرام من الخيل، فاستعارها للكرام من الرجال كما يستعار القروم المصاعب لهم. ومن زعم أن الخناذيذ: الخصيان أو الفحولة، فقوله بعيدٌ عن الصواب؛ يشهد لما ذكرناه من أنه الكرام قول الشاعر:

وخناذيذ خصيةً وفحولا

<<  <   >  >>