تقدم من ذكره، ولما حذف المفعول الأول جاز حذف الثاني، وهذا كما يحذف المبتدأ والخبر من مسألة الكتاب، وهي متى ظننت أو قلت زيداً منطلقاً. إذا أعملت الفعل الأول ساغ ذلك، لأن الفعل الثاني نقيضهما، وقد حصل في الكلام ذكرهما. فاعلمه. والمرمل: الفقير.
وما قتل جارٍ غائبٍ عن نصيره ... لطالب أوتارٍ بمسلك مطلب
فلم تدركوا ذحلا ولم تذهبوا بما ... فعلتم بني عجلٍ إلى وجه مذهب
يقول: الوتر مقيمٌ في موضعه ثابتٌ على حاله، لم تزيلوه ولم تظعنوه عن محله، لأن قتل جارٍ للواتر غائبٍ عن نصاره، بعيدٍ عن أرضه ودياره، لطالب الثأر ليس بطريقٍ يؤديه إلى نيل مرادٍ، ولا بسببٍ يوصله إلى اشتفاءٍ من داءٍ، فأنتم لم تصيبوا نجحاً في فعلكم، ولا سلمتم فيما أتيتم من عار يلحقكم.
ولكنكم خفتم أسنة مازنٍ ... فنكبتم عنها إلى غير منكب
وقد ذقتمونا مرةً بعد مرةٍ ... وعلم بيان المرء عند المجرب
يقال نكب بمعنى تنكب، ومثله قدم بمعنى تقدم؛ ومعناه انحرف. ويقال هو أنكب عن الحق ومنكابٌ عنه، إذا جانبه فيصير منه في شق. يقول: هبتم أعداءكم عندما هممتم به من طلب وتركم، واستشعرتم منهم جبناً، فحذرتموهم، ثم عدلتم عنهم إلى غير معدل فقبحت صورتكم، واخترتم ذلك لأنكم خبرتمونا حالةً بعد أخرى، والمرء يتبين الشيء، ويعرف الخصم عند تجربته.
وقال بغثر بن لقيطٍ الأسدي
أما حكيمٌ فالتمست دماغه ... ومقيل هامته بحد المنصل
وإذا حملت على الكريهة لم أقل ... بعد العزيمة ليتني لم أفعل
قوله أما يتضمن معنى الجزاء، وأكثر ما يجيء مكرراً، وقد جاء هنا غير مكرر. فيقول: هما كان من شيءٍ فقد طلبت دماغ هذا الرجل بسيفي، فأصبته غير متندمٍ على ما فعلت، ولا متذممٍ منه، لأني إذا حملت على خطةٍ صعبةٍ فوطنت نفسي عليها، وقررت عزمي في تجشمها لم أقل بعد الدخول فيها والخروج منها بودي ألا