والأموات على اختلافهم لا يخرجون من هذين الحكمين. وقوله نمدهم كل يومٍ من بقيننا مثل قوله:
فهم ينقصون والقبور تزيد
إلا أنه زاد على ما قاله، حين قال: ولا يؤوب إلينا منهم أحد. ويجوز أن يريد بقوله من بقيتنا من خيارنا. يقال: فلانٌ من بقية قومه، أي من خيارهم. ويكون مثل قوله:
أرى الدهر يعتام الكرام ويصطفى
[وقال الغطمش الضبي]
إلى الله أشكو لا إلى الناس أنني ... أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب
أخلاء لو غير الحمام أصابكم ... عتبت ولكن ما على الموت معتب
صرف شكواه عن الناس إلى الله عز وجل، يأساً من معونتهم، وإشكاءٍ يحصل من جهتهم، ولأن الله تعالى هو الذي أجرى المقادير بما يتألم منه، من بقاء الأرض وفناء الأصدقاء. ثم قال أخلاء لو غير الحمام أصابكم، كأنه أقبل على الذاهبين معتذراً إليهم من استسلامه للحكم الجاري عليهم، ومن عجز قواه عن نصرتهم فيما أصابهم فقال: لو كان القاصد لكم غير الموت لتسخطت الحال ولم يكن مني بها رضاً، ولكن ما على الموت طريقٌ للعتب، ولا فيه لي رجاءٌ لإعتابٍ، ورجوعٌ باعتذار. وقوله أخلاء يروى أخلاى على قصر الممدود. والأجود أن يترك مدته على حالها، وتحذف الياء من آخره في النداء، لأن الكسرة تدل عليه. وقد ألم بقوله:
أمن المنون وريبها تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع