هذا يدل على ما قدمناه في البيت قبله، فإنها رجعت إلى مخاطبة ابنها بعد ما ذكرت هواجس ظنونها، وجردت القول له بمرادها منه، وأمرته بالتشمير في طلب القوم كلهم بمن أصيب به، واطراح التقصير فيما جعل له من سلطانه في حقه، وبأن لا يقبل الدية وإن غالوا بها، ولا يرضى بالقصاص منهم وإن مكنوا من الجاني عليه أيضاً، بل يعم القوم كلهم بالقتل، فإنه حينئذ يكون مدركاً تبله، وناقضاً وتره، وقاضياً حق صاحبه. والقصاص: أخذ الشيء بالشيء، وأصله من القص: القطع.
وقالت أيضاً:
لهفي على القوم الذين تجمعوا ... بذي اليد لم يلقوا علياً ولا عمرا
فإن يك ظني صادقاً وهو صادقي ... بشملة يحبسهم بها محبساً وعرا
قد تقدم القول في لهفي، وكما يجوز فيه من نية الإفراد والإضافة.. وإنما تحسرت الشاعرة على ما فات علياً وعمراً من ملاقاة القوم المجتمعين بذي السيد المتخلفين للقتال. وإنما تلهفت لما كانت تؤمل من تأثيرهما فيهم. وموضع لم يلقوا نصبٌ على الحال، والعامل فيه تجمعوا. ثم قالت كالمستدرك برجائه. إن كنت صادقة الظن بابني شملة وهو يصدقني لا محالة فإنه يحبس القوم بتلك المعركة محبساً صعباً. تريد أن ما فات المذكورين سيتلافاه، فيما يعدها به ظنها وأملها فيه. والقول في إن يك ظني صادقاً على ما تقدم. والصدق والكذب أصلهما في الكلام، وتوسع فيهما فقيل بردٌ صادقٌ، والفجر الصادق والكاذب، وهو فتى صدق، وصدقوهم القتال. ويقال: طريقٌ وعرٌ: بين الوعورة والوعارة، أي غليظٌ. وقد توعر ووعر.
[وقال شبرمة بن الطفيل]
لعمري لريمٌ عند باب ابن محرز ... أغن عليه اليارقان مشوف
أحب إلينا من بيوتٍ عمادها ... سيوفٌ وأرماحٌ لهن خفيف
الأصل في الرئم: الظبي الخالص البياض. وهذا الكلام يخص به الشاعر واحداً معيناً كان يقصر في طلب الوتر، ويشتغل عنه بالصبا واللهو، ويؤثر المقام بأطيب