فأجبتهم بأن اصرفوا عني العقب والملام، واعتبروا حالي بالنظر إلى البعير الحان إلى وطن، مع أنه أغلظ ما خلقه كبداً، وأثبت على الشدائد نفساً وجلداً، كيف يضج، ولو خلى كيف يهيم على وجهه ويند. واعلموا أن ما يبلغ به من العجة والغباوة، حقيق بأن يكمد مثلي ما توحدت به من التمييز والتحصيل، والفرق بين أحناء الأمور وأبحاثها. وقد أخذ أبو تمام هذا المعنى فنقله إلى الدار وقد خلت من السكان فقال:
إن شئت الا ترى صبراً لمصطبر ... فانظر على أي حال أصبح الطلل
[وقال أبو دهبل الجمحي]
أقول والركب قد مالت عمائمهم ... وقد سقى القوم كأس النعسة السهر
يا ليت أنى بأثوابي وراحلتي ... عبد لأهلك هذا الشهر مؤتجر
أول البيت الثاني، وهو ياليت أنى بأثوابي، في موضع المفعول لأقول. والواو من قوله والركب، واو الابتداء، وهو للحال. وقوله وقد مالت عمائمهم، يريد لغلبة النوم عليهم، ومجاهدة السير والسرى فيهم، ومزاولتهم السهر، حتى كأنهم سقاهم كؤوس النعاس فسكروا، والمعنى أن أقول، على معاناة هذه الأحوال: بودي أنى مستعبد لأهلك طول الشهر الذي نحن فيه، مؤنجر بكسوتي وزادي وراحلتي، لا أكلفهم مؤونة، ولا أحملهم مرزئة، كل ذلك رغبة في التقرب إليك، والاستسعاد بخدمة أهلك، والفوز بالتعريج على محلك ومرتحلك. وقوله يا ليت، المنادى محذوف، كأنه قال: يا قوم يا ليت أنى.
إن كان ذا قدراً يعطيك نافلة ... منا ويحرمنا، ما أنصف القدر
جنية أو لها جن يعلمها ... رمى القلوب بسهم ما له وتر
جواب الشرط في قوله ما أنصف القدر، على إرادة الفاء. وقوله يعطيك نافلة، في موضع الصفة لقدراً. وأشار بهذا إلى ما بينه وبين محبوبه. والمعنى: إن