إذ الناس ناس والزمان بغرة ... وإذ أم عمار صديق مساعف
وقال آخر:
شيب أيام الفراق مفارقي ... وأنشزن نفسي فوق حيث تكون
يقول: أثرت أيام الفراق في فأبدلني بالشاب مشيباً، وبالجدة والقوة خلوقة ووهناً شديداً، وأزعجت نفسي من مقرها فارتفعت من مركزها إلى ما فوقها، فالشيب وإن جاء قبل حينه يؤذنني باقتراب المهل، ونشوز النفس يبشرني بدنو الأجل. هذا إلى ما اعانيه من حوادث الفراق، ولواذع الاشتياق. وقوله فوق حيث تكون جعل حيث اسماً وأضاف فوق إليه. وحيث في الأمكنة بمنزلة حين في الأزمنة. ولذلك احتاج إلى جمليتن. وتكون: مستقبل كان التامة، ومعناه يقع ويحصل. ويقال للرجل إذا تزحف عن مجلسه فارتفع فويق ذلك: نشز نشوزاً، وأنشزته إنشازا. وقوله أيام الفراق مفارقي، يسمى التجنيس الناقص. وفرق الرأس ومفرق واحد.
وقد لان أيام اللوى ثم لم يكد ... من العيش شيء بعدهن يلين
يقولون ما أبلاك والمال غامر ... عليك وضاحي الجلد منك كنين
فقلت لهم لا تعذلوني وانتظروا ... إلى النازع المقصور كيف يكون
حمد أيامه باللوى إذ كان فيه اجتماع مع الأحبة، ومساعفة من المقدار والأقضية. ثم تعقب بزعمه ما صعب منها وخشن، لما حدث من البعاد فيه فاستنكر، فلم يستوفق بعدها شيئاً من الأوقات، ولا ارتضى حالاً من الأحوال، لتعسر العيش، ونكد الفراق.
وقوله: يقولن ما أبلاك والمال غامر، يريد أن الناس متعجبون من شأني وأمري، مستنكرون ما يشاهدون من حؤولي وضمري، فيرجعون بالسؤال علي، ويقولون: ما الذي بلاك، وهزلك وأنضاك، وفي مالك وفور، والضاحي من جلدك بالكسوة مستور، فلا تبذل للحرور اعتراك، ولا إضافة في المعاش تغشاك. قال: