أو جاراً أو متحرماً بحرمة، لأنه متى قوبل حاله بحال من ذكره لم يوجب تقديمه عليه، ولم يستحق العدول عنه إليه. هذا من طريق الوجوب له، ثم هو في نفسه يرجع إلى كرم ومروءة، ويستظهر بعنوان نعمة وترفة، وقد نابته نوائب تجرف المال، أي تتويه جملة لا تزيله شيئاً بعد شيء، كما يكال الشيء أو يوزن، فعهده به قريب، والتوفر عليه متعين مفروض، فإذا التزمت له واجبه، وآثرته بصرف ما في يدي إليه، عدت محتاجاً كما كنت، وساعياً في الطلب كما ابتدأت. وقوله كريم من صفة أبو صبية، وقد تابع بين صفات من مفرد وجملة.
[وقال يزيد بن الطثرية]
إذا أرسلوني عند تقدير حاجة ... أمارس فيها كنت عين الممارس
ونفعي نفع الموسرين وإنما ... سوامي سوام المقترين المفالس
يقول: إذا أرسلني عشيرتي في مهم لهم يقدرون ارتفاعه بي وبسعيي، ويؤملون انتفاعهم به عند اجتهادي، فاعتمدوا مزاولتي، ووثقوا بالنجاح لدى ممارستي، كنت فيه حق الممارس، لا أجع فيه ولا أفرط ولا أقصر، بل زدت على ظنهم بي، وتجاوزت الغاية التي يقفون فيها من رجائي، فنفعي نفع المكثرين وإن كان مالي الراعية مال المفلسين المقترين. وقوله المفالس، الإفلاس: لفظة عربية وإن كثر التداول لها في ألسنة العامة. وكان الأصل في أفلس الرجل أن يصير صاحب فلوس بعد أن كان صاحب أموال. وتفليس الحاكم معروف، وهو من هذا، كأنه ينسبه إلى ذلك، فهو كالتعديل والتنسيق. والسوام من قولهم: سامت الماشية تسوم، وهي سائمة. والمراس: مزاولة الشيء، ويقال: مرس الحبل، إذا نشب في البكرة عند الاستقاء. ويقال لمن يرده إلى موضعه أمرس فهو ممرس. على ذلك قوله:
بئس مقام الشيخ أمرس أمرس
ثم يقال في الصبور على طلب الشيء القوى: هو مرس، وشديد الممارسة والمراس. وقوله أمارس فيها في موضع الجر على أن يكون وصفاً لحاجة.