للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن ذويه والمنتسبين إليه، لا يضجر بما يحل بفنائه، ولا يتسخط أمراً يقترح عليه، أو يستنهض إليه.

[وقال أبو الحجناء]

أعاذل من برزأ كحجناء لا يزل ... كثيباً ويزهد بعده في العواقب

يقول: يا عاذلة، من يصب بمثل من أصبت به يتصل اكتئابه، ويدم زهده في عواقب أطهار النساء ومباشرتهن علماً بأن مثل ذلك الولد لا يعتاض منه. وحجناء: ابنه. كأن عاذلة آذته بتكرير الوصاة عليه وإدامة الوعظ له، وأن ما يأتيه من التفجع مستسرفٌ ومستقبحٌ، لخروجه عن العادات، فأقبل يجيبها ويذكر عذره لها. وقد صرح غيره بهذا المعنى فقال:

أفبعد مقتل مالك بن زهيرٍ ... ترجو النساء عواقب الأطهار

حبيباً إلى الفتيان صحبة مثله ... إذا شان أصحاب الرحال الحقائب

انتصب حبيباً على الحال للضمير في قوله بعده. وصحبة ارتفع على أنه قام مقام فاعل حبيباً. ويروى حبيبٌ إلى الفتيان فيكون خبراً مقدماً، والمبتدأ صحبة مثله. وجواب إذا ما يدل عليه صدر البيت، كأنه قال: إذا بخل أصحاب الرحال بالزاد فشأنهم امتلاء حقائبهم وقلة إنفاقهم منها، ففي ذلك الوقت يستحب الفتيان صحبة مثل ابنى حجناء، لحسن توفره، ورحابة صدره، وكرم صحابته، وجميل تفقده لأصحابه. وإنما قال صحبة مثله ولم يقل صحبته، إجلالاً له، وصيانة لاسمه، لا إثباتاً لنظيرٍ له. وعلى هذا قولهم: مثل فلانٍ لا يوازي، ومثلك لا يفعل كذا. وفي القرآن: " ليس كمثله شيءٌ ".

نظام أناسٍ كان يجمع شملهم ... ويصدع عنهم عاديات النوائب

<<  <   >  >>