وقوله كأن لم يكن كان هذه هي التامة، والمراد: كأن لم يقع بين. وكأن مخففة من الثقيلة، وقع على محذوف، كأنه قال: كأن الأمر والشأن لم يكن بين إذا حصل بعده التقاء. وقوله لا إخال تلاقيا، المفعول الثاني محذوف كأنه قال: لا أحسب تلاقيا بعده. وساغ ذلك لتقدم ذكره، فهو في حكم الملفوظ به.
[وقال جميل]
وقد حارب الفخذ الين منهم بثينة:
تفرق أهلانا بثين فمنهم ... فريق أقام واستقل فريق
فلو كنت خواراً لقد باخ ميسمى ... ولكنني صلب القناة عتيق
كأن لم نحارب يا بثين لو انها ... تكشف غماها وأنت صديق
قوله أهلانا أراد شعبيهما. وقال الخليل: أهل الرجل: أخص الناس به. وأهل البيت: سكانه. وأهل الإسلام: من يدين به. وبثين: نداءمفرد مرخم. وقوله فمنهم فريق أقام، تفصيل لما أجمله في تفرق. وإنما افترقوا حتى ارتحل قوم وأقام قوم للخلاف الواقع كان بينهما.
وقوله فلو كنت خواراً، تنبيه على كراهته لما حدث، وإظهار أن ميله مع أهل بثينة، فقال: لو كنت ضعيف المسكة منحل العقدة، لكان ميسمي وقد بخ، أي زالت حرارته، وسكنت حميته، بما أقاسيه وأشاهده حالاً بعد حال، من عوارض الدهر ونوائب الزمان، ولكنني عتيق النبع، صليب القناة. وهذا مثل ضربه لإبائه، وبقائه على طريقة واحدة في العهد والوفاء. ثم اعتذر بعد ذلك فقال: كأن لم نحارب يا بثين، يريد أن جميع ما يجرى عليه يخف ويهون إذا بقيت له على ما فارقها عليه، وتعاقدا له، حتى كأنه لم يقع تجاذب بين الحيين، ولا تحارب بين الأهلين، إذا انكشفت الغيابة الحاصلة، وارتفعت العناية الراكدة، وتلك باقية على المصافاة. ويقال: باخت النار بوخا وبؤوخاً، إذا خمدت. والغمى، هي الخصلة المظلمة. ولك أن تروى تكشف بالرفع، يريد تتكشف، فحذفت إحدى التاءين استثقالاُ لاجتماعهما. وإنما عدل عن الإدغام إلى الحذف؛ لأنه كان يحتاج عند الإدغام لسكون أول الحرفيين، إلى جانب ألف الوصل، وألف الوصل لا تدخل على الفعل المضارع. ولك أن تروى تكشف على أن يكون التاء للماضي. وجواب لو في قوله كأن لم نحارب، والواو من وانت واو الحال. وذكر صديق لأن المراد ذات