للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وقال الأخرم السنبسي]

ألا إن قرطاً على آلةٍ ... ألا إنني كيده ما أكيد

يقال: فلانٌ لي على حالةٍ وعلى آلةٍ، إذا تنكر وتغير عما كان يعهد عليه من قبل. وهذا يجري مجرى الكنايات. ويقال أيضاً: حصل فلانٌ لنا على لونٍ، يراد على لونٍ مذمومٍ. فيقول: إن هذا الرجل تحول عما كان يجري عليه معي، إلى أمرٍ أنكره ولا أعرفه، ألا إنني أكيد كيده، أي أقابل كيده لي بكيدٍ مثله. وما زائدةٌ، وتلخيصه: أكيده كيداً يماثل كيده لي. وهذا كما يقال ضربه ضرب غريبة الإبل. والمعنى: أقتدي به فيما تنطوي لي عليه ويعاملني به، لا أبتدئه بمساءةٍ، ولا أعاجله بمكرٍ وخيانةٍ، بل أقلده البغي، وأنتظر من جهته الحؤول والنكث، ثم أجازيه كيل الصاع بالصاع.

بعيد الولاء بعيد المحل من ينأ عنك فذاك السعيد

يذم قرطاً فيقول: هو بعيد النصرة والموالاة، أي بطيئها، بعيد الدار والمسكن؛ يعني تنائيها. ثم قال: من بعد عنك فقد سعد جده. نقل الكلام عن الإخبار إلى الخطاب على عادتهم في افتنانهم، وكأنه التفت إليه يريه الزهادة في مجاورته، والاستغناء عن معونته، واكتفاءهم بأنفسهم دونه، فقال ذلك بعد ما أخذ في وصفه.

وعز المحل لنا بائنٌ ... بناه الإله ومجدٌ تليد

الهاء من قوله بناه الإله يجوز أن يكون للعز، ويجوز أن يكون للمحل. فإذا جعلته للعز فالأجود أن ينعطف مجدٌ على الإله، كأن العز حصل للمحل بالله تعالى وبمجد الآباء. وإذا جعلته للمحل يجوز أن يرتفع ومجدٌ بالابتداء، ويكون الكلام منعطفاً والخبر محذوفاً، كأنه قال: ولنا مجدٌ تليدٌ. وبناه الإله في موضع الحال للمحل، والأجود أن يضمر معه قد. وإنما يفتخر بأن بلادهم حصينةٌ، وديارهم عزيزةٌ. وذلك أن بلاد طيئ يكتنفها جبلاهم أجأ وسلمى، فلا تستطرفهم الغارات، ولا تهجم عليهم سوابق الفلتات والنزوات. فيقول: عزنا في دارنا ظاهرٌ للناس غير خافٍ، آثرنا الله تعالى به، ولنا مجدٌ متوارثٌ. وأصل المجد الكثرة. والتالد والتليد: القديم.

<<  <   >  >>