الحق وحدوده، ولا صنوف الصدق وفنونه، فإذا قلت الشعر قلته على علمٍ بمرافقه وأساليبه، ومعرفة المقول فيه ومستحقه، فلا أكذب في الأخبار ولا أتزيد في الأوصاف، ولكن أعطي كل منعوتٍ حقه من القول والوصف، وأقسم لكل منوهٍ به قسطه من التقريظ والمدح، فمن أجل ذلك أصبحت إذ فضلت مروان وابنه عبد الملك على الناس قد فضلت خير والدٍ وولد، فلا يقال كذب أو أخطأ، أو اشتبه عليه أو شبه له، فلم يأت بالحق، ولم يقتصر على الصدق.
وقوله " وإن فؤاداً " جعله نكرةً لأنه باتصال قوله " بين جنبي " به اختص، حتى علم أنه قلبه من بين القلوب.
[وقال في سليمان بن عبد الملك]
أتينا سليمان الأمير نزوره ... وكان امرأً يحبي ويكرم زائره
إذا كنت في النجوى به متفرداً ... فلا الجود ولا البخل حاضره
كلا شافعي سؤاله من ضميره ... عن الجهل ناهيه وبالحلم آمره
يقول: قصدت هذا الرجل، وكان لحسن تعطفه وكرم تألفه، وكمال احتفافه بزائريه، وجمال إقباله على عفاته ومجتديه، ينيل الحباء مؤمليه على أبلغ ما تعلق الرجاء به وفيه.
وقوله " إذا كنت في النجوى به متفردا " فالنجوى: المسارة. فيقول: إذا وقعت في خاطره، وتفردت بمناجاته، فالجود نصب عينيه، والبخل غائبٌ عن همته، لا يحتاج إلى باعث ولا شافع، ولا مذكر ولا عاطفٍ.
وقوله " كلا شافعي سؤاله من ضميره " جعل السؤال من سانح فكرهوجائل صدره شافعين، وزعم أن كلاً منهما ينهاه عن البخل، ويأمره بالإفضال والبذل. وهذا على طريقتهم في أن الإنسان له نفسان عندما يحضره من الفعال والمقال، فأحدهما يأمره بالفعل، والآخر ينهاه ويبعثه على الترك، فقال هذا الشاعر: إن نفسي هذا الممدوح هما يشفعان لوراد حضرته، ورواد سيله ومطره، فكلٌ يدعو إلى الإسداء