لهم منطقان يفرق الناس منهما ... ولحنان معروفٌ وآخر منكر
إذا جعل الكلام مدحاً على ما قدمته ورتبته يكون معنى لهم منطقان أنهم خطباء شعراء، فالناس يرهبون نظمهم ونثرهم، ويهابون ألسنتهم وأقوالهم في مجالس الملوك، وأندية الاحتفال. ومعنى ولحنان معروفٌ وآخر منكر أن لهم اصطناعاً لمواليهم فلحنهم فيه لحن معروفٌ حسنٌ مرجوٌ، واستئصالاً لمعاديهم فلحنهم فيه لحن منكرٌ مخوفٌ. وفي طريقة هذا الوجه قول نصيب:
واللحن: المعاريض، وفي القرآن:" ولتعرفنهم في لحن القول ". وأصله العدول والميل عن الظاهر. وإذا جعل ذماً لأولئك القوم يكون المعنى أنهم ذوو وجوهٍ في لقاء الناس مختلفةٍ، وأقوالٍ غير صادقةٍ، فكل منهم منطقان: أحدهما في التقول والتنفق، والآخر في البهت والتخرص، عرفهما الناس فهم يفرقون منهما. ولهم تعريضان بعدهما: أحدهما يعتادونه عند نكث العهود ونقض العقود، وقد عرفه الناس فهو مشهور من أفعالهم؛ والآخر يتعاطونه عند إعمال حيلةٍ، وإمضاء غيلةٍ، فهو خافٍ بعد منكور.
لكل بني عمرو بن عوفٍ رباعةٌ ... وخيرهم في الخير والشر بحتر
قوله لكل بني عمرو بن عوف رباعةٌ، أي لكل واحد منهم أمرٌ مستقيمٌ، وتدبيرٌ مرضي، وأفضلهم في السراء والضراء بحتر بن عتود. ويقال: ما في بني فلان أحدٌ يضبط رباعتهم غير فلانٍ، أي أمرهم وشأنهم. الناس على ربعاتهم ورباعتهم، أي على استقامتهم. وحكي: تركناهم على سكناتهم وربعاتهم، أي على حالتهم الحسنة. ولا يقال ذلك في غير الحسن. وحكي أيضاً: هو على رباعة قومه، وهو ذو رباعة قومه، أي سيدهم ومدبرهم. فعلى هذا يجوز أن يكون المعنى لكلهم ذو رباعةٍ، فحذف المضاف. ويؤيد هذا قوله وخيرهم في الخير والشر بحتر ". وقد حكى في هذه الأبيات معان غريبةٌ فتفهمها.
[وقال أبان بن عبدة بن العيار]
إذا الدين أودى بالفساد فقل له ... يدعنا ورأساً من معدٍ نصادمه
الدين يجوز أن يراد به الطاعة والائتلاف ها هنا. ومعنى أودى بالفساد: هلك بفساد ذات البين. ويجوز أن يراد به دين الإسلام، ومعنى أودى بالفساد أوقع بما ظهر