لهفي عليك للهفةٍ من خائفٍ ... يبغي جوارك حين ليس مجير
لهفي مبتدأ، وهو لهفٌ مضاف إلى ضمير النفس، ففر من الكسرة وبعدها ياء إلى الفتحة فانقلبت ألفا. ولو روي لهفي عليك، لجاز، ويكون جارياً على أصله. وعليك في موضع الخبر. واللام من للهفةٍ متعلقٌ بما دل عليه لهفي. فيقول: لي عليك حسرةٌ شديدةٌ من أجل حسرة رجلٍ نابه من حوادث الدهر ما اختشي له فطلب جوارك، والاستعاذة بفنائك، وقت لا مجير له ثم لا يجدك. وقوله حين ليس مجير ظرفٌ ليبغي، ويبغي في موضع الصفة لخائف. وخبر ليس محذوف، كأنه قال: حين ليس مجيرٌ في الدنيا، أو ينعشه، أو ما أشبه ذلك. وأضاف حين إلى ليس فبناه لأن المضاف إليه غير متمكن، فاكتسب البناء من جهته، فالفتحة في حين إلى ليس فبناه لأن المضاف إليه غير متمكن، فكتسب البناء من جهته، فالفتحة في حين فتحة بناءٍ. ولا يمتنع أن يكون فتحة إعراب، كأنه أجرى حين على سلامته ولم يعتد بالإضافة فيه.
أما القبور فإنهن أوانسٌ ... بجوار قبرك والديار قبور
عمت فواضله فعم هلاكه ... فالناس فيه كلهم مأجور
يقول: فارقت الأحياء وفي كل فرقةٍ من فرقهم غمٌ شامل، وزفرةٌ متصلة، فاختلطت بالأموات، فالأنس الذي كان في الأحياء انتقل بانتقالك إلى الأموات، فديار الأحياء ذات وحشةٍ ونفور، فهي كالقبور لما حصل فيها من الفجع بك، وفارقها من نسيم الروح والراحة بفراقك. وقبور الأموات ذوات أنس وقرارٍ بمجاورتها لقبرك، ولما يغدو ويروح إليها من زوارك.
وقوله عمت فواضله فعم هلاكه يريد أن إحسانه عم الخلق، وصنائعه شملتهم، فبحسب ذلك عمتهم الفجيعة به، فالناس كلهم مصابون مأجورون، قد استوت أقدامهم وتناسبت أحوالهم فيما نالهم من الحسرة فيك، وأضر بهم من الخلل الواقع في عيشهم بك.