مصدقة؛ ثم جعلتني مضغة في أفواه الناس، وأكلة لمجامعهم، يتعللون بحديثي، ويتغلبون عند أعدائي بقصتي، فقد صرت كالغرض المنصوب لكل قدح مبري، والعلم المقصود لكل مشاء بنميم، يغرى بي من كان لي سلماً، ويرق لي من آل لي حرباً، وأنت سليم من المكاره، بعيد عن المتاعب، تعرك بجنبك ما يمسني، وتتقي بقلة الاكتراث ما ينضجني؛ لأن نار الوشاية اعتمادها بالإحراق في النساء أبلغ منه في الرجال، وعار الشناعة ألصق بجوانبهن منه بجوانب أمثالك، فلو أن كلاماً كلم جسماً لبدت بجسمي ندوب ومنافذ وجرزح بأنياب المغتابين، ونبال الرماة المراصدين. وقد عدل في هذه الأبيات وفيما تقدمها في صلات الذي والتي عن الإخبار إلى الخطاب، وقد مضى القول في جوازه مشروحاً، وبينا كيف ساغ تعرى الصلة من الضمير العائد إلى الموصول.
[وقال المعلوط الأسدي]
إن الظعائن يوم حزم سويقة ... أبكين عند فراقهن عيوناً
غيضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا
بل لو يساعدنا الغيور بداره ... يوماً لقد مات الهوى وحيينا
الظعينة: المرأة، لأنها تظعن إذا ظعن زوجها، أي تشخص. وقيل: الظعينة: الجمل الذي تركبه، سميت به كما قيل للمزادة رواية. والحزم: ما غيظ من الأرض. وإنما وصف حالهن عند التوديع ووقت الفراق، فيقول: غنهن بكين وأبكين، وبجهد منهن كففن الدموع، وخفضن ما علا من النشيج، ثم قلن متحسرات: أي شيء لقيته أنت وقاسيت من أحداث الهوى وأسبابه، وقاسينا نحن، ولو ساعدنا الغيور ودانانا بداره يوماً لقضينا من أوطارنا ما تحيا به نفوسنا وقلوبنا، ويموت له كلفنا وهوانا.
وذكر موت الهوى كما قال الآخر:
فلما التقى الحيان ألقيت العصا ... ومات الهوىلما أصيب مقاتله