وإن حلفت لك أنها تفي وتيقي على عهدها معك، وأعلم أنه لا يمكين لمثلها يستوثق بها، أو يستنام إليها، وفي طريقته قول بشار:
لا يوئسنك من مخبأة ... قول تغلطه وغن جرحا
عسر النساء إلى مياسرة ... والصعب يمكن بعد ما جمحا
[وقال العباس بن مرداس]
قليلة لحم الناظرين يزبنها ... شباب ومخفوض من العيش بارد
أرادت لتنتاش الرواق فلم تقم ... إليه ولكن طأطأته الولائد
تناهى إلى لهو الحديث كأنها ... أخو سقطة قد أسلمته العوائد
الناظران: عرقان في مدمع العينين: يصفها بأنها ليست بجهمة الوجه، لكنها أسيلة الخدين، ويزينها شباب مقتبل، ورفاهة من العيش ودعة، ويقال: عيش خفض، وخفضت عيشه فهو مخفوض. والبارد: الثابت. ويقال: برد لي على فلان حق، أي ثبت.
وقوله أرادت لتنتاش الرواق، فالانتياش: التناول. يصفها بأنها مخدمة لا تبتذل نفسها في مهنة، ولا في عارض خدمة، حتى أنها إذا أرادت تناول رواق البيت - والرواق: ما مد مع البيت من ستارة - لم تترك والقيام إليه، ولكن قدمته الولائد، وأملنه لها حتى نظرت إلى ماوراءه، فإذا كانت في مثل هذا تودع وتكفي، فما هو أثقل منه أبعد من استعمالها فيه. والطأطأة: خفض الرأس وغيره عن الاشتراف. ويقال للفارس إذا ضبط فرسه بفخذيه ثم حركه للحضر: طأطأ فرسه. وقوله: تناهى إلى لهو الحديث أراد أنها تنصب من كل أحوالها إلى اللهو، وتنتهي إليه، إذ كان ما عدا اللهو قد كفيت، فهي منعمة لا تتعلل إلا باللعب والهزل، فكأنها عليل يترفرف عليه ويشفق، حتى يترك لا يهمه شيء، ولا يشغله شأن، يعني أنها في توفرها على الحديث والملاهي على نعمتها وكسلها، كذلك العليل في توفره على مقاساته ما به.