إذا الخيل جالت عن صريعٍ نكرها ... عليهم فما يرجعن إلا عوابساً
يقول: إذا الخيل دارات عن مصروعٍ منا كررنا عليهم لنصرع منهم مثل ما صرعوا منا. ويجوز أن يريد: إذا جالت الخيل عن صريعٍ منهم لا يقنعنا ذلك فيهم، بل نكرها عليهم لمثله، وإن كرهت الكر لشدة البأس فلم ترجع إلا كوالح. والعامل في قوله " إذا الخيل " نكرها، وهو جوابه أيضاً. وإلا عوابساً في موضع الحال، وقوله " الخيل " ارتفع بفعل مضمر ما بعده تفسيره.
[وقال عبد الشارق بن عبد العزى الجهني]
ألا حييت عنا يا ردينا ... نحييها وإن كرمت علينا
هذا على كلامين. و " ألا " افتتاحٌ. والتحية، قال بعضهم: هي الوداع ها هنا، يقول: ألا أبلغت وداعنا يا ردينة. ثم قال: نحييها، أي نودعها وإن عزت علينا مفارقتها. ويجوز أن يكون دعا لردينة مبتدئاً فقال: جزاك الله عنا، أي تولى الله ذلك من دوننا، ثم راجع نفسه فقال: نفعل ذلك على فخامة موقعها منا، وجلالة محلها من قلوبنا، إذا كنا لا نقدر لها على غير ذلك. وقوله " نحييها وإن كرمت " يسمى التفاتاً، كأنه التفت إلى من معه فقال ذلك.
ردينة لو رأيت غداة جئنا ... على أضماتنا وقد احتوينا
توصل بمخاطبتها إلى اقتصاص الحال التي يريد شرحها، فأخذ يباثها فيقول: لو رأيتنا غداة جئنا على حزازاتٍ في النفس، واحتراقاتٍ في الجوف والصدر، من الغيظ والحقد، وقد حوينا أموال إعدائنا، واستبحنا حريمهم، وملأنا أيدينا من غنائمهم. هذا إذا رويته بالحاء غير معجمةٍ. وروى بعضهم:" اختوينا " بالخاء المعجمة، ويكون افتعل من الخوى والمعنى: خوت أفئتدتنا من الود، كقول الآخر:
وإذ صفرت عياب الود منكم ... ولم يك بيننا فيها ذمام