لأنهما للنفي، فحمل الكلام على المعنى فكأنه قال: إنني على الزاد لا أشتم. ونزيد هذا شرحاً فيما بعده.
وإلا أكن كل الشجاع فإنني ... بضرب الطلى والهام حق عليم
هذا كالبيت الذي قبله. يقول: إن لم أكن النهاية في الشجاعة، والمعنى إن لم يكن فعلي النهاية فيما يفعله الشجاع، فإنني عالمٌ حقاً بضرب الرءوس والطلى. والمتناهي في الشجاعة لا يتعدى فعله هذا، لكنه سلك طريقته فيما قبله. الطلى: الأعناق وأعراضها، والواحدة طليةٌ. والباء من قوله " بضرب الطلى " تعلق بقوله عليم.
فإن قيل: كيف ساغ ذلك والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف؟ قلتك لما كان قوله " حق عليم " لا زيادة فيه إلا التوكيد لم يعتد بالمضاف، فحمل الكلام على المعنى لا على اللفظ، فكأنه قال: إنني بضرب الطلى عليمٌ جداً. ويجري هذا المجرى إجازتهم لقول القائل أنت زيداً غير ضاربٍ، مع امتناعهم من إجازة أنت زيداً مثل ضاربٍ، لما كانت معنى غيرٍ معنى لا، فحمل الكلام على المعنى لا على اللفظ، حتى كأنه قيل: أنت زيداً لا ضاربٌ. فاعلمه، وبالله التوفيق.
[وقال عمرو بن شأس]
أرادت عراراً بالهوان ومن يرد ... عراراً لعمري بالهوان فقد ظلم
المضمرة في أرادت رابة عرارٍ، فقال والده عمروٌ: أرادت امرأتي إهانة عرارٍ والاستخفاف به، ومن يطلب ذلك في مثله فقد وضع الشيء في غير موضعه. فإن قيل: هل تفصل بين قوله أرادت عراراً بالهوان وبين قوله لو قال أهانت عراراً؟ قلت: بلى، لأن معنى أرادته بالهوان أرادت كونه لها وصحبته إياها باستعمال الهوان معه، فيجوز أن يكون الهوان واقعاً، ويجوز أن يكون غير واقعٍ. ومعنى إهانته: ابتذلته وأذلته. فهو إخبارٌ لوقوع الفعل به فيما مضى. ويجوز أن يكون معنى ظلم: تحيف حقه وبخسه.