وكذلك قولك للغريم: قم فأعطني حقي. فالأمر في الحقيقة بالعطية لا بما سواه. وأجري مجراه قولهم: أخذ يتمسك بكذا، وطفق يتحدث بكذا، وجعل يشتمني. وخرجوا في التوسع إلى أن قالوا: قام يهزأ بي، وقعد يظن أنه أمير. وليس القصد إلى فعله القيام والقعود، ولكن زيادةً كالتصوير للحال والتأكيد للقصة.
[وقال بعض بني أسد]
كلا أخوينا إن يرع يدع قومه ... ذوي جاملٍ دثرٍ وجمعٍ عرمرم
يقوله رجلٌ اقتتل فريقان من قومه على بئرٍ، فيقول: كلا صاحبينا إن يفزع يستغث بقومٍ ذوي عددٍ وعدةٍ. والجامل: الإبل، وهو اسم صيغ للجمع. والدثر: الكثير. والعرمرم: الجيش العظيم. وعرام الجيش: حدهم وكثرتهم. وانتصب " ذوي " على الحال. والجزاء مع جوابه خبر المبتدأ، وهو كلا.
كلا أخوينا ذو رجالٍ كأنهم ... أسود الشرى من كل أغلب ضيغمٍ
يقول: كل واحدٍ من صاحبينا مؤيدٌ برجالٍ كأنهم أسود هذه المأسدة، من كل ليثٍ غليظ العنق، شديد. وضيغمٌ: فيعلٌ من الضغم، وهو العض. وكلا موحد اللفظ، موضوع للمثنى؛ لكن المراد به هنا كل واحدٍ.
فما الرشد في أن تشتروا بنعيمكم ... بئيساً ولا أن تشربوا الماء بالدم
يدعوهم إلى المصالحة، ويعرفهم أنه لا خير في ماءٍ، يصلون إليه بإراقة دماءٍ؛ ويزهدهم في خصبٍ ونعيمٍ، يحصل عن عيشٍ بئيسٍ، فيقول: ليس الصلاح والنجاح في أن تستبدلوا بنعيمكم بؤساً، وبسلامتكم هلاكاً، ولا أن تشربوا الماء بسفك الدماء. والبئيس، يكون مصدراً كالبؤس، ويوضع في مقابلة النعيم كما فعله هذا، ويكون صفةً، على هذا قول الهذلي: