حكمه حكم العجز، ومن الظاهر أن أناديها في موضع الحال، والمعنى أنه لا يقف، لسلامة طريقته وتكامل عفته، الجارة في مواقف التهمة، فلا يخفي مكالمتها، ولا يخاطبها مخبراً لها إلا برفع صوت ونداء عال. كل ذلك هرباً من قرفة تحصل، أو تهمة تتوجه، وهذا هو الغاية في العفاف، والدرجة القاضية في التوقي من العار.
[وقال المساور بن هند بن قسيس بن زهير]
فدي لبني عبد غداة دعوتهم ... بجو وبال النفس والأبوان
إذا جارة شلت لسعد بن مالك ... لها إبل شلت بها إبلان
خبر المبتدأ الذي هو فدي قوله النفس، وجو وبال أضاف الجو إلى وبال، وهو اسم ماء. وإنما دعا لبني عبد بالتفدية لأنه وجدهم عند الظن بهم لما استنصرهم على أعدائه بجو وبال. وقوله إذا جارة ظرف لقوله شلت به غبلان، وهو جوابه. وتلخيص الكلام: إذا شلت إبل لجارة لسعد بن مالك شلت بسببها ولمكانها إبلان، وذلك لكرم محافظتهم، وللعز اللاحق في معاقدة جوارهم. ومعنى شلت: طردت، شلا. وقد فصل بين المرتفع به وهو إبل، وبينه بقوله لسعد بن مالك، ولولا أن حكمه الظروف وقد توسعوا فيها، لكان ذلك غير جائز، لأن الفصل بين الفعل وبين المبنى عليه بأجنبي لا يجوز عندنا. ألا ترى أنهم امتنعوا من جواز قول القائل: كانت زيداً الحمي تأخذ، وإن جوزوا: كان في الدار زيد واقفاً، لكون الحائل هنا ظرفاً وفي ذاك غير ظرف. وأما قوله لها إبل فموقع لها أن يكون بعد إبل، لأنه صفة لها، والصفة لا تتقدم على الموصوف، كما أن الصلة لا تتقدم على الموصول، لكنها قدمت على ان تكون حالاً، والحال كما يتأخر يتقدم إذا لم يمنعه مانع، فهو كقول الآخر: