وفي القرآن:" إني أراني أعصر خمراً ". وأيامى: جمع أيمٍ، ويقع على الرجل والمرأة. والفعل منه آم، أي بقي بلا زوجٍ. وهو من الفعل فيعلٌ، وجمعه أيايم على فياعل. وأيامى مقلوبٌ كأنه قدم اللام على العين فصار أيامى على فيالع، ثم فروا من الكسرة وبعدها ياء إلى الفتحة، فانقلبت ألفاً.
فإن نرجع إلى الجبلين يوماً ... نصالح قومنا حتى الممات
هذا إظهار رغبةٍ في الرجوع إلى العشيرة، ومعاودة الوطن والمحلة. يقول: إن اتفق لنا عودةٌ إلى بلادنا تركنا الخلاف على ذوينا، وأقمنا بها إلى انقضاء الأجل، واستنفاد المهل. ويعني بالجبلين أجأ وسلمى: جبلي طيئ. وقوله " حتى الممات " أراد به إلى حين الممات، فحذف المضاف. والممات يكون مصدراً، وإن جعلته اسماً للحين فلا حذف.
وقال موسى بن جابرٍ
لا أشتهي يا قوم إلا كارهاً ... باب الأمير ولا دفاع الحاجب
يصف بهذا الكلام ميله إلى البدو، وتفضيله رجاله على رجال الحضر، فيقول: لا أتمنى ورود باب الأمراء، ومدافعة الحجاب، ولا أعلق شهوتي بهما إلا على كرهٍ وعن داعيةٍ عارضةٍ؛ إذ كنت ألفت الصحاري والبراري، وصاحبت بها من لا تملكني معه حشمةٌ، ولا يصدني دونه عزة. وانتصب " كارهاً " على الحال.
ومن الرجال أسنةٌ مذروبةٌ ... ومزندون شهودهم كالغائب
يقول: من الرجال رجالٌ كالأسنة المطرورة، أي يمضون في الأمور ويفصلونها نفاذ الأسنة؛ ومنهم مزندون. والمزند: المبخل المقلل. ووقيل الزند ضرب به المثل في القلة. يقال:" زندان في مرقعةٍ "، ثم قيل هو مزندٌ مشتقاً منه. وقوله " شهودهم كالغائب " أي لا غناء عندهم، ولا دفاع بهم، فحضورهم كغيبتهم. وأراد بالغائب الكثرة لا التوحيد. وكان من حق التقسيم أن يقول: ومنهم مزندون، لكنه اكتفى بمن الأول. ومثله قول الله تعالى:" منها قائمٌ وحصيدٌ ". وسمعت أبا عليٍ الفارسي رححمه الله يقول: كل صفتين تتنافيان وتتدافعان فلا يصح اجتماعهما لموصوفٍ لا بد لإضمار من معهما إذا فصل جملةٌ بهما، متى لم يجيء ظاهرا، ثم