يقول زارياً عليهم ومبيناً: إنه نالهم ما نالهم لأن الغدر مقيمٌ فيما بين ديارهم، ومما انطوى عليه أحشاؤهم: وفائدة قوله أمسى وأضحى بيان اتصال الوقت. وقوله " فإن الغدر " الفاء ربط الجملة التي بعدها بما تقدم ورتبها عليه، كأنه قال: قاسوا ما قاسوه في جوارهم فإنهم غادرون. وخبتٌ والمسات: ماءان لكلبٍ. يقول: الغدر مقيمٌ في كلبٍ بين هذين، أي في أول ديارهم وآخرها.
تركنا قومنا من حرب عامٍ ... ألا يا قوم للأمر الشتات
هذا الكلام اقتصاصٌ لحاله، وإظهارٌ للتأسف على مجاورة كلبٍ، والتندم على ما اتفق من مفارقة العشيرة: وقوله " يا قوم للأمر الشتات " تعجبٌ. والشتات: مصدرٌ وصف به. واللام في الأمر لام الإضافة، لكن فائدته ما ذكرناه من التعجب، وأتى به مع المدعو. وقد يقال يا لزيدٍ فيكون المنادى محذوفاَ. وهذه اللام تدخل مفتوحةً في المنادى ويراد به الاعتزاء، كقولك يا لبكرٍ ويا لتميمٍ. فيقول: انتقلنا عن قومنا وفارقناهم منذ زمن الحرب التي اتفقت بيننا عاماً أول. ثم أخذ يستعطفهم، ويتذمم من مراغمتهم، ويظهر الحاجة إليهم فقال: يا قوم أقبلوا لما تشتت من أمرنا، واختل من حالنا. وقوله " من حرب عامٍ " جعل من بدل من، لأنه في المكان مثله في الزمان، كما قال زهيرٌ:
أقوين من حججٍ ومن دهر
وأخرجنا الأيامى من حصونٍ ... بها دار الإقامة والثبات
يقول: أخرجنا النساء اللاتي صرن أيامي من مقر عزهن، ودار أمنهن، إلى جوار كلب، حتى اتفق عليهن من الأعداء ما اتفق، ومن حلول الرزايا ومقاساة الهنات بهن ما أقلق. ووصف النساء بما آل إليه أمرهن من الإيمة، وإن كن وقت الإخراج ذوات بعولٍ. ومثله قول الآخر: