للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقيماً بذلك المكان يسهرني تألمك وأنينك، ونام كل من صحبته فاستيقظت أنا متجرداً فيك، ومتحملا ما أمكن تحمله عنك، الى أن أجبت داعيك، واطلقت من أسر الانتظار ناعيك، فانقطع الأنين، وجد منى لفقدك العويل.

[وقال أبو وهب العبسي يرثي ابنه]

أرابع مهلا بعض هذا وأجملى ... ففي اليأس ناه والعزاء جميل

فان الذي تبكين قد حال دونه ... تراب وزواء المقام دحول

سلك فيما مسلك أوس بن حجر، حين قال:

أيتها النفس أجملى جزعا ... ان الذي تحذرين قد وقعا

والمرأة المخاطبة فيما نظن أم المرثى. (مهلابعض هذا) انتصب بعض باضمار فعل، كأنه قال: رفقاً كفى بعض ما تأتينه، وأحسني العزاء، ففي اليأس ممن قد مضى ناه لك عن الاسراف في الجزع، والافراط في الالتياع والهلع؛ والصبر جميل كيف كان، فإن من تبكينه حجز بينه وبيننا تراب مهيل، ولحد قعير، وحفرة معوجة، وهوة مهولة، فلا طمع في الالتقاء، ولا في الرجوع والانكفاء.

وقوله (وزوراء المقام) أي معوجة الموضع الذي يقام فيه منها. وقوله دحول، يقال بثر دحول، أي ذات تلجف.

نحاه للحد زبرقان وحارث ... وفي الأرض للأقوام قبلك غول

فأي فتى واروه ثمت أقبلت ... أكفهم تحثي معاً وتهيل

اللحد: ما حفر في عرض القبر. ويقال لحدث القبر وألحدته، وقبر ملحود وملحد ولاحد، أي ذو لحد، يقول: ولاه للحد قبره هذان الرجلان، والعادة مستمرة في فناء الأمم السالفة قبلنا؛ لأن الأرض لا تخلو مما يغتال الأحياء ويهلكهم. والغول: الهلكة، ويقال: غالة الموت. وقال الشاعر:

وما ميتة إن متها غير عاجز ... بعار إذا ما غالت النفس غولها

<<  <   >  >>