للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهم ربهم بذنبهم. ويروى: (وكان السرور يوم ذاك مذمما) :

هممت بأن لا أطعم الدهر بعدهم ... حياة فكان الصبر أبقى وأكرما

قوله: (بأن لا أطعم الدهر بعدهم) انتصب أطعم بأن، ولو رفع لجاز على أن يكون أن مخففة من الثقيلة، ويكون إسمه مضمراً، والفعل مع ما بعده خبر كأنه قال: هممت بأني لاأطعم حياة بعدهم، أي كنت وطنت نفسي على الزهد في الحياة، وجعلت قتل نفسي من همي، ثم نظرت فكان الائتساء بالناس في مصائبهم، والصبر على مقاساة البلاء معهم، أبقى في الذكر، وأحسن في الأحدوثة، وأكرم عند عد الأفعال وعرضها على العقول. وروى: (أتقى) بالتاء المعجمة، والمعنى أوقى، لأن التاء مبدلة من الواو، أي أصون للدين والعرض.

[وقال قبيصة بن النصراني الجرمى]

ألا يا عين فاحتفلي وبكى ... على قرم لريب الدهر كاف

وما للعين لا تبكي لحوط ... وزيد وابن عمهما ذفاف

وعبد الله يا لهفي عليه ... وما يخفى بزيد مناة خاف

وجدنا أهونالأموال هلكاً ... وجدك ما نصبت له الأثافى

يقول: ياعين جاء وقت البكاء فتهيئي له، واجمعي دموعك ثم فرقيها، ولا مساغ لتقصير، ولا مجال لتعذير. والحافل من الغنم: التي جمعت اللبن في ضرعها. ومعنى بكى: أكثري البكاء أو كرريه. والقرم: الكريم من الرجال، وأصله في الفحول، وكذلك المقرم، وقد تقدم ذكره.

وقوله (لريب الدهر كاف) قد حذف أحد مفعولي كفى، كأنه كاف الناس ريب الدهر، أي ما راب من أحداثه.

ثم عدد من فجع به من أعزته فوجب البكاء له، ليعلم عظيم شقائه وما أصيب به في أودائه.

<<  <   >  >>