للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ظلماً، بما اطرحوه من مراعاة الحقوق، وبدءوا به من تناسي العهود، واستعجلوه من البغي، وسلكوه من سنن الغي. ويروى أن يزيد ابن معاوية لا رحمه الله تمثل بهذا البيت لما وضع بين يديه رأس الحسين ابن علي رضي الله عنهما.

ولما رأيت الود ليس بنافعي ... عمدت إلى الأمر الذي كان أحزما

فلست بمبتاع الحياة بذلةٍ ... ولا مرتق من خشية الموت سلما

قوله " إلى الأمر الذي كان أحزما " جعل الحزم للأمر كما جعل له العزم في قوله تعالى: " فإذا عزم الأمر "، فكل ذلك مجازٌ واتساعٌ. وصلح أن يريد بقوله أحزم، أحزم من غيره، لوقوعه خبراً، لأنه كما يجوز حذف الخبر بأسره إذا دل دليلٌ عليه، كذلك يجوز حذف ما يتم به منه إذا لم يلتبس بغيره، ولم يختل الكلام بسببه. وقوله " لما رأيت الود " حذف المضاف فيه وأقام المضاف إليه مقامه، كأنه قال: لما رأيت مراعاة الود ومحافظته، أو إظهار الود وإبقاءه. ومعنى البيت: لما رأيتهم لا يرتدعون عن ركوب الرأس، والمجاذبة إلى أقصى ما في الطوق من اللجاج والشر، قصدت إلى ما كان أجمع للحزم معهم من مكاشفتهم، وترك الإبقاء عليهم؛ لأن ظهور التعادي والتكاشف خيرٌ من ركوب الغرور مع التشابك. ويلاحظ هذا البيت قول الآخر:

إذا حاجةٌ عزتك لا تستطيعها ... فدعها لأخرى لينٍ لك بابها

وقوله " فلست بمبتاع الحياة بسبةٍ "، يقال ابتاع الشيء بمعنى اشترى، وإن كان بعته بمعنى اشتريته وبعته جميعاً. والسبة: الخصلة التي يسب بها، فهي كالهجنة والعرة. يقول: فعلت ذلك، فإنني لست ممن يطلب العيش مع الذل، ولا ممن يرتقي في الأسباب خوفاً من الموت، بل الميتة الحسنة على ما يتعقبها من الأحدوثة الجميلة آثر عندنا، وأوقع من هوانا، من العيشة الذميمة على ما يخالطها من الرضا بالدنية.

[وقال بشامة بن الغدير]

ولقد غضبت لخندفٍ ولقيسها ... لما ونى عن نصرها خذالها

<<  <   >  >>