فإذا سمعت أنينها في ليلها ... طفقت عليك شؤون عيني تدمع
قوله لم تدر ما جزعٌ عليك فتجزع لم يجعل فتجزع جواباً ولا عطفاً على ما قبله، وليس اللفظ على واحدٍ منهما ولا المعنى، وإنما قوله فتجزع منويٌ به الاستئناف، كأنه أراد أنها من صغرها لا تعرف المصيبة ولا الجزع لها، وهي على حالها لا تجزع، لأن ما تأتيه من الضجر والبكاء، وتتركه من النوم والقرار، فعل الجازعين، وغاية الفاقدين. وفي كتاب الله عز وجل قوله:" إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء "، لك أن ترفع فيغفر على نية الابتداء، كأنه قال: فهو يغفر لمن يشأ. ومثل هذا كثيرٌ في القرآن والشعر. على ذلك قوله:
فما هو إلا أن أراها فجاةً ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب
يرفع أبهت على الابتداء والاستئناف.
وقوله فقدت سمائل، يريد الأخلاق والشكل وجميل المخالطة. وقال الخليل: الشمال: خليقة الرجل وطبيعته، وجمعه شمائل. وأنشد:
هم قومي وقد أنكرت منهم ... شمائل بدلوها من شمالي
فيقول: كانت اعتادت منك توفراً ومداراةً وحسن خلق، ولين عطفٍ وكرم مخالطة، وإيناساً في مجاملة، فلما انقطع عنها جميع ذلك بالفراق باتت لا تنام ولا تنيم، بل تفجع وتوجع، ومهما أدركت شكواها وبكاءها أقبلت مفاصل رأسي تسمح بالدمع فأبكي عليك ولهاً. ومعنى طفقت عليك شؤون عيني كقولك: أقبلت تفعل كذا، وجعلت تقول كذا.
[وقال حفص بن الأحنف الكناني]
لا يبعدن ربيعة بن مكدمٍ ... وسقى الغوادي قرره بذنوب