قواي، ولا أمل في إدراك مثله، ولا استقلال بالنهوض بأعباء أهله. ثم قال متحسراً: بئست الخلتان المجتمعتان لي: ثكل من لا يتعاض منه أبد الدهر، والكبر المقصر للأمل، المقرب ليوم الأجل.
[وقال آخر يرثي ابنه]
لله در الدافنيك عشية ... أما راعهم في القبر مثواك أمردا
مجاور قوم لا تزاور بينهم ... ومن زارهم في دارهم زار همدا
قوله (لله در الدافنيك) ، فدر، وإن كان في الأصل مصدراً فقد لزم هذا الموضع وجرى الكلمة به لكثرة الاستعمال مجرى: لله خيرك، فلا يعمل في ظرف ولا في حال؛ ولا في شيء مما يعمل فيه أمثاله من المصادر. فيقول على وجه التعجب من الذين تولوا دفنه في عشية يومه: لله درهم، أما أفزعهم مقامك في القبر على استقبال شبابك، ونضارة غصنك وقرب ميلادك، حين لم تجتمع نفسك، ولا توجه وجهك. وفي طريقته قول الآخر:
أيا شجر الخابور مالك مورقاً ... كأنك لم تحزن على ابن طريف
وأبلغ منهما قول الآخر:
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت ... به الأرض تهتز العضاه بأشواق
وانتصب (أمرد) على الحال، وأصل التمرد والتملس والانجراد. يقال صخرة مرداء، إذا لم ينبت عليها شي.
وقوله (مجاور قوم لا تزاور بينهم) هذا حال الأموات فيما بينهم، يتجاورون ولا يتزاورون، ومن زارهم من الأحياء منا انصرف عنهم بالخيبة، والزيادة في الغمة والحسرة. والهمد: جمع هامد، وهو الميت؛ وأصله من همود النار. ويقال للثوب إذا بلى: قد همد.