جعل المضاجع كنايةً عن الأزواج. وهذا كما يكنى عنهن بالمفارش. قال:
سجراء نفسي غير جمع أشابةٍ ... حشدٍ ولا هلك المفارش عذل
يعني أن أمهاتهم عفائف. فيقول: لما تقصينا بالبحث والكشف أنساب آبائنا، وعلائق وصلها فلم نجد فيها مغمزاً، ولا إلى ما ذممنا من أخلاقكم منها داعياً، عدلنا إلى النظر في أنساب أمهاتنا، والتوصل إلى مكنون وشائجها، ومجهول مواصلها، فألفيتم أبناء عمكم كانوا كرام الفرش. وهذا من أحسن المعاريض، لأن المراد: كانت أمهاتنا أشرف من أمهاتكم، فعلمنا أن ما خالفتمونا فيه، وصرتم على حرف مباينةٍ لنا من أجله، شيءٌ يرجع إليهن. وإنما قال " وجدتم " ليكون كالتقرير لهم، ويصير ما ادعي من الفضل عليهم باتفاقٍ منهم. وذكر بعضهم أنه كان يجب أن يقول: وجدتمونا، فوضع بني عمكم مكان " نا "، وهو أخص من بني عمكم، بدلالة أن ما يكون للنفس أخص مما يكون للغائب، وإذا كان كذلك فقد وضع الأدون موضع الأخص. وليس الأمر على ما قال، لأن الرجل إنما يريد ببني عمكم الآباء، وقد قدم ذكرهم في قوله " مسسنا من الآباء ". ألا ترى أنه قال: كانوا كرام المضاجع. وإذا كان الأمر على هذا، كان الواجب عليه أن يقول: وجدتم آباءنا كانوا، لا وجدتمونا.
[وقال جابر بن رالان]
لعمرك ما أخزى إذا ما نسبتني ... إذا لم تقل بطلاً علي ومينا
لعمرك مبتدأ، وخبره محذوف، فكأنه قال لعمرك ما أقسم به، ولا يستعمل في اليمين إلا بفتح العين، وإن كان ضمها لغةً فيه. و " أخزى " يجوز أن يكون من الخزي: الهوان، ويجوز أن يكون من الخزاية: الاستحياء. والبطل يراد به الباطل. والمين: الكذب، وقد مان، وهو مائنٌ وميونٌ. والمعنى: وبقائك ما أستحي أو ما أهون ولا أذل متى ما ذكرت أسلافي وآبائي ولم تقل باطلاً، ولم تدع علي زوراً. وقوله " إذا ما نسبتني " ظرفٌ لقوله ما أخزى. و " إذا لم تقل " يجوز أن يكون بدلاً منه. ولولا أنه كرر " إذا " لكان الكلام ما أخزى إذا ما نسبتني ولم تقل بطلاً وميناً. ولا