لا يرى لك مثل ما يراه لنفسه. وكان الواجب في قضية سياق الكلام أن يقول: وإن عاصوك فعاصيهم؛ فعدل عن الإتيان بالضمير إلى ذكر الظاهر، ليبين فيه ما يشنع به عليهم، وليظهر السبب الموجب للإغراء بهم، والانصراف عن رأيهم. ولو قال: فاعصيهم لم يبين ذلك فيه.
وقوله أريت أصله أرأيت، حذف الهمزة منه حذفاً كما حذف في يرى، وترى، ونرى.
[وقال ابو القمقام الأسدي]
إقرأ على الوشل السلام وقل له ... كل المشارب مذ هجرت ذميم
لو كنت أملك منع مائك لم يذق ... ما في قلاتك ما حييت لئيم
الوشل هاهنا: ماء معروف في أرض محبوبه. وقال الدريدي: الوشل: موضع معروف بعينه. والوشل: الماء القليل يترقرق على وجه الأرض. وقال صاحب العين: الوشل محرك: الماء القليل يتحلب من صخرة أو جبل، يقطر منه قليلاً قليلاً. والوشل: القاطر، يقال: جبل واشل: يقطر منه الماء. والشاعر أهدى إليه التحية، وراسله أن المشارب كلها مذمومة عنده منذ تحول عنه وترك وروده. ثم دعا لظله بالسقيا فقال: سقيا لظلك بالعشى وبالضحى. والظل يكون للشجرة وغيرها بالغداة، والفيء بالعشى، فكان في الواجب أن يقول: سقيا لظلك بالغداة، ولفيئك بالعشى. ألا ترى قول الآخر:
فلا الظل من برد الضحى نستطيعه ... ولا الفيء من برد العشى نذوق
إلا أنه سمى الفيء ظلاً لتشابههما في منظر العين والغناء. فلما تساويا وأجرى عليهما معاً لفظة الظل، وكان الواو يفيد الجمع من دون الترتيب - لم يبال أن يقول بالعشى وبالضحى، فيقدم بالعشى، وإن كان الظل أليق بأن يليق بالضحى لو جرد. ولم يشبه هذا قول القائل: فلان أشعر الجن والإنس، لتركه فيما تقدمه من المعطوف والمعطوف عليه طلب المطابقة والموافقة. ألا ترى أن الوجه في هذا أن يقال: فلان أشعر الإنس والجن ليصح لفظ الأول، ويضاف أشعر إلى ماهو بعضه ثم يجيء الثاني؛ وأن قولك: سقياً لظلك وقد نويت إجراء الظل للفيء أيضاً صار حكمه حكم