للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليك إن قدرته تقدير المفعول به. ومثله: " واتقوا يوماً لا تجزى نفس عن نفس شيئاً "، وقد مر القول فيه.

[وقال يزيد بن عمرو الطائي]

أصاب الغليل عبرتي فأسالها ... وعاد احتمام ليلتي فأطالها

ألا من رأى قومي كأن رجالهم ... نخيل أتاها عاضدٌ فأمالها

الغليل: حرارة الجوف، يقال به غلة. والاحتمام: القلق والانزعاج، يقال أحمنى الأمر إحماماً. والعاضد: قاطع النخل، والذي يقطع به يقال له المعضد. فيقول: تناهى حمى جوفي وغلة كبدي، فأسلت دمعي إطفاءً لنائرتها، وعاد قلق ليلتي، وطار النوم عني فطال له ليلتي. وقوله احتمام ليلتي أضاف الاحتمام إلى ليلته لكونه فيها، ولاجتماع الوساوس عليه، لتفرده عما يشتغل به. ويروى: احتمامى ليلتي، ويكون ليلتي في موضع الظرف، يريد احتمامى في ليلتي. وإنما قال احتمام ليلتي لما كان تقدم من مصائبه في عشيرته.

وقوله ألا من رأى قومي لفظه استفهام، والمعنى معنى التوجع. وقد يأتون به على الخطاب هل رأيت قومي؟ كأن هذه الرؤية مستنكرة فهو يستثبت. وقوله كأن رجالهم نخيلٌ شبههم وقد صرعوا بنخيلٍ معضودة. وهذا التشبيه ورد مثله في القرآن، في قوله تعالى: " كأنهم أعجاز نخلٍ خاويةٍ ". وجملة المعنى كأنه ينكر أن يكون قومه بهذه الصفة، فقال مستثبتاً على طريق التحسر: من رأى قومي مقتلين مصرعين كأن فرسانهم نخيلٌ قصدها عاضدٌ فأمالها. وفائدة أمالها، على فصاحته في هذا الموضع، تصوير حالة الرجال حين تركوا بالعراء كيف تركوا.

أدفن قتلاها وآسو جراحها ... وأعلم أن لا زيغ عما مني لها

وقائلةٍ من أمها طال ليله ... يزيد بن عمروٍ أمها واهتدى لها

وصف حالته وما مني به في ذويه وعشيرته، وكيف تولى من المقتولين دفنهم، ومن المجروحين أسوهم، لأنه إذا احتاج إلى تولي ذلك منهم كان أشقى له وأعود

<<  <   >  >>