للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن كان برء النفس لي منك راحةً ... فقد برئت إن كان ذاك مريحي

تجلى غطاء الرأس عني ولم يكد ... غطاء فؤادي ينجلي لسريح

يقول: قضيت العجب من انصراف قلبي عنك، وبرئي من الداء فيك، بعد ما بقيت زماناً مبتلي النفس في هواك، عليل القلب بوجدك، مبرحاً بي حبك؛ فإن كان برء النفس يعقب لي راحةً منك وفي هواك فقد برئت والراحة منتظرة، إن كانت من نتائجه ومسبباته. ثم قال " تجلى غطاء الرأس " يريد شبت واستبدلت بلون وسواد شعري لوناً آخر حديثاً، فكأن المتقدم كان كالغطاء على رأسي، تكشف بالتأني، ولم يكد ما تغشى قلبي من حبك ينكشف بالهويني.

فإن قيل: في ظاهر هذا الكلام تناقض، لأن القائل إذا قال كدت أفعل كذا معناه شافهت فعله وشارفته، ولا يكون قد فعله؛ وإذا قال: لم يكد فلان يفعل كذا، معناه يقرب وقوع ذلك منه. فإذا كان كذلك فقد نفى عن نفسه ما أثبته بقوله " تجلى غطاء الرأس " لقوله: ولم يكد غطاء فؤادي ينجلي لسريح؟ قلت: لو أمسك عند قوله " ولم يكد غطاء فؤادي ينجلي " لكان الأمر على ما قلت، لكنه لما قال " لسريح " بين أنه لم يكن عن سهولة وبعجلة، وقلة تعب ومشقة، فنفيه في الحقيقة لقلة التعب والسهولة لا للانجلاء، وإذ كان كذلك يكون الغطاء قد انجلى عن القلب، لكنه انجلى بعد طول مزاولة نصب، ومقاساة كمد، وعن شدة تفاقم، وبلاء ملازم. ويقال في الدعاء للمرأة إذا طلقت عند الولادة: اللهم اجعله سهلاً سرحاً. فالسراح والتسريح والسريح كلها في طريق واحد، وهو السهولة والعجلة. ويقال: سرحه اللهتعالى للخير، أي وفقه له وعجله. وفي المثل: " السراح من النجاح ".

[وقال عروة بن أذينة]

إلفان يعنهما للبين فرقته ... ولايملان طول الدهر ما اجتمعا

مستقبلان نشاصاً من شبابهم ... إذا دعا دعوةً داعي الهوى سمعا

لايعجبان بقول الناس عن غرض ... ويعجبان بما قالا وما صنعا

<<  <   >  >>