رأتين ومن لبسي المشيب فأملت ... غنائي فكوني آملاً خير آمل
يقول: رأتني هذه القبيلة، وقد قنعني المشيب بخماره، ونجذني الدهر بأحداثه ومصائبه، فعلقت رجاءها بغنائي وكفايتي، وشددت أزرها لما تفرست في نظري وشهامتي، فقويت أملها، وأكدت طمعها، وقلت: كوني آملاً خير آمل. وهذا الكلام يجوز أن يكون معناه دومي على أملك وكوني خير آملٍ، فأصدق ظنك وأحقق طمعك. ويجوز أن يكون دعاءً لها، كأنه قال: جعلك الله خير آملٍ. وخير الآملين من يبلغه الله ما موله، وينيله طلبته وسوله. وإنما قال " كوني آملاً " ولم يقل آملةً، لأن المراد كوني حياً آملاً، فلم يقصد قصدها.
لئن فرحت بي معقلٌ عند شيبتي ... لقد فرحت بي بين أيدي القوابل
أهل به لما استهل بصوته ... حسان الوجوه لينات الأنامل
يقول: إن كانت هذه القبيلة سرت بي عند كبرتي، واستكمال رأيي وتجربتي، فحق لها ذلك، فقد استبشرت بي عند ولادتي، وحين هنئت بقدمتي. والقوابل: جمع القابلة، وهي التي تقبل الولد عند الولادة. واللام من قوله لئن دخلت موطئةً للقسم، وجواب القسم المنوي لقد فرحت. وهذا خلاف قول الآخر:
وهنيء بي قومي وما إن هنأتهم ... وأصبحت في قومي وليسوا بمنبتي
وقوله أهل به لما استهل بصوته نقل اللفظ إلى الغيبة بعد أن كان في حديث نفسه، على عادتهم في تصاريفهم. يقول: تباشرت نساء الحي عند ميلادي، فرفعن أصواتهن بالشكر لله والثناء عليه، كما يهل الملبي في الحج، والناظر إلى الهلال، حين وقعت عن أمي، واستهللت ببكائي. وإنما وصف النساء بحسن الوجوه ولين الأبدان، ليدل على أنهن ربائب نعمةٍ وذوات نعمةٍ، لم يقاسين شقاء عيشٍ، ولم يكتسين جلابيب فقر.